كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”: لا يزال الجدل حول الطريقة الأفضل لترشيد الدعم قائماً في البلد. ورغم انّ موعد نفاد الاموال بات وشيكاً، قبل البدء في الانفاق من الاحتياطي الالزامي، إلّا أنّ المسؤولين يتعاطون مع الموضوع وفق مبدأ طمس الرأس في الرمال، والهروب الى الامام.
لم تخرج جلسة اللجان النيابية المشتركة التي عُقدت امس، لدرس سياسة الدعم والاحتياطي الالزامي، بأي توصية، رامية الكرة في ملعب الحكومة بالطلب اليها ان تقدّم رؤيتها الخطية للبندين موضوع النقاش، بالإضافة الى كامل البيانات والارقام المتصلة بالموضوعين. طالبة ان يتمّ ذلك الاسبوع المقبل لاستكمال النقاش. في هذا الوقت بدأ عدّاد الوقت العدّ العكسي، مع اعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في حديثه الاخير، انّ الدعم سيستمر لشهرين فقط، اي حتى نهاية كانون الثاني. ماذا يمكن لحكومة تصريف اعمال او للجان المشتركة او مجلس النواب ان تنجز في هذا الخصوص؟ فالخيارات محدودة بين سيئ وأسوأ: شراء هدوء الشارع باستمرار الدعم، او رفع الدعم للمحافظة على ما تبقّى من الودائع، فيشتعل الشارع وترتفع الاسعار 200% وتتعمّم حالة الفقر على غالبية المواطنين.
في هذا السياق، يؤكّد الخبير الاقتصادي كمال حمدان، انّ الأزمة الاقتصادية مرشحة للتفاقم في المرحلة المقبلة، وكل الخيارات المتاحة مُرّة. فلا حلّ في اطار التركيبة السياسية القائمة، لأنّها سقطت وفشلت وباتت تفتقر في عملها الى الكثير من الجدّية والشفافية والحوكمة. وما عاد ممكناً إدارة شؤون بلد بهذا الكمّ من المشاكل والتحدّيات، بطرق تقليدية. فكيف اذا كان لا يزال من أدارها ونظّمها وفصّلها واستفاد منها على مدى ثلاثة عقود، هو نفسه يلعب اليوم دور المنقذ من الظلام فيقدّم الحلول؟
وأوضح حمدان لـ”الجمهورية”، انّ المشكلة الأساسية تكاد تكون مقسومة بالتساوي ما بين السطو على المال العام والخاص والفساد السياسي وغير السياسي من جهة، وما بين انعدام المهنية من جهة أخرى. فنحن ليس لدينا مركز قرار يعمل وفق “داتا” ينطلق منها لوضع خيارات او سيناريوهات او بدائل. بحيث كان يُفترض بـ “الداتا” لو انّها فَرضاً موجودة، ان تسمح للمعنيين بأن يعرفوا مدى مرونة الطلب على أي سلعة نسبة الى سعرها، أي كيف سيتأثر الطلب عليها اذا زاد سعرها 1%، هل سيزيد ام ينقص ام يبقى الطلب عليها ثابتاً، وذلك قبل ان يبحثوا استكمال دعمها او وقفه.
وقال: “كان يمكن من خلال دراسة مرونة الطلب على السلع نسبة الى سعرها، ان يدركوا أي سلع الطلب عليها جامد كالدواء مثلاً (لا يتأثر الطلب عليه وفق سعره لأنّه حاجة) وعلى هذا الأساس يمكن وضع خطط لمعالجة الأزمة. اذ قد يتبين انّه يمكن الاكتفاء مثلاً بدعم 8 سلع غذائية بدلاً من 10 او حتى أقل. لكن الأكيد انّ هذه الخطط لا يتمّ وضعها قبل شهرين من رفع الدعم“.
ورداً على سؤال، أشار حمدان الى انّه يؤيّد ترشيد الدعم اذا أتى كجزء من رؤية او خطة للانقاذ والتعافي، وليس ترشيد الدعم لكسب شهر او شهرين اضافيين. لافتاً الى انّ خفض نسبة الاحتياطي من 15 الى 12% سيشتري الوقت حتى شهري نيسان وأيار. وإذا خُفض الى 10% سيكفينا حتى ما بين أب وأيلول.
وعمّا اذا كان يؤيّد التوجّه نحو اعتماد البطاقات التموينية او التمويلية كحل بديل، قال: “نحن نخشى ان يكون لكل طرف سياسي لائحته من الفقراء”. أضاف: “لست ضدّ هذا التوجّه انما شرط توفر قاعدة معلومات عن المواطنين، حجم الأسرة، مهنة ربّ الأسرة، دخل العائلة، الضريبة التي تدفعها… عندها بكبسة زر يمكن معرفة الفئات التي تقع تحت خط الفقر ومساعدتها بواسطة البطاقات”، لافتاً الى تقديرات بأن يكون الفقر حالياً بات يطال اكثر من نصف السكان، والرقم مرجّح الى الارتفاع اذا رُبط برفع الدعم.
وتابع: “انّ ارتفاع أسعار السلع والذي سجّل زيادة 120% في خلال عام مرجح الى الارتفاع الى 200% في ظرف أسابيع متى رُفع الدعم وحُرّرت الأسعار، في وقت لا تصحيحات للاجور بعد، مع دخل 80% من المواطنين بالليرة اللبنانية، على رأسهم متعاقدو العسكر والأساتذة والمعلمون“..
واعتبر حمدان انّ حجة الحفاظ على الاحتياطي الالزامي بدعة. اذ بعدما سرقت 80 ملياراً، باتت السلطة الحاكمة تخشى على الاحتياطي البالغ 17 ملياراً لحماية مدخرات المودعين. مثمّنا في الوقت نفسه الجهد الذي بذلته حكومة حسان دياب، لإعداد خطة رؤية وخطة انقاذ، حدّد فيها المسؤوليات ورسم المسيرة نحو الإنقاذ.