‘كورونا’ وخسارة الوظائف.. هل تستعيد أوروبا الشرقية أبناءها المهاجرين؟

13 ديسمبر 2020
‘كورونا’ وخسارة الوظائف.. هل تستعيد أوروبا الشرقية أبناءها المهاجرين؟

شهدت مناطق مختلفة من العالم عودة الكثير من المهاجرين إلى بلدانهم منذ بداية جائحة كورونا، لكن الأمر يبدو مختلفا تماما في أوروبا الشرقية.

في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي”، يقول الكاتب أوغنيان جورجييف إن العديد من مدن وبلدات أوروبا الشرقية التي هجرها سكانها خلال العقود الماضية، شهدت في الفترة الأخيرة هجرة عكسية ظاهرة من دول أوروبا الغربية.

ويقول أناستاس كارتشيف عمدة مدينة فيلينغراد البلغارية -الواقعة على الحدود مع تركيا، والتي لا يتجاوز عدد سكانها 18 ألف نسمة، في تصريح عبر الهاتف في تشرين الثاني الماضي- إن السكان “عادوا من كل مكان، خاصة من أوروبا الغربية”.

آلاف العائدين
بدأت هذه الموجة أول مرة في أواخر آذار الماضي، حيث أعلن مسؤول بلغاري عودة عشرات آلاف المواطنين إلى البلاد في ذلك الشهر، وبحلول أوائل الصيف عاد مئات الآلاف من الأوكرانيين إلى ديارهم، وشهدت دول أخرى في المنطقة موجات مماثلة.

ومن أجل رصد هذه الظاهرة بدقة، قام فريق تابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في العاصمة البلغارية صوفيا بفحص بيانات الهجرة بين شهري آذار وأيار الماضيين، وهي الفترة التي أعلنت خلالها البلاد أول إجراءات الإغلاق لمنع تفشي فيروس كورونا، وتُظهر البيانات الحكومية أن ما يقارب 550 ألف مواطن بلغاري عادوا إلى البلاد خلال تلك الفترة.

لكن الأعداد الحقيقية قد تكون أكبر من ذلك بكثير، حيث إن نسبة كبيرة من العائدين إلى البلاد لم يخضعوا للحجر الصحي، كما أن البيانات من آذار لم تكن مكتملة.

أسباب العودة
من خلال مقابلات مع عدد من العائدين، وجدت الدراسة -التي أشرف عليها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية- أن السبب الأول للعودة هو الرغبة في الاجتماع مع العائلة والأقارب، وهو أمر مفهوم بالنظر إلى الوضع الرهيب الذي عاشه العالم بعد انتشار فيروس كورونا.

أما ثاني أهم سبب للعودة -وفقا للدراسة- فهو “خسارة الوظائف”، وعند سؤال المشاركين في الدراسة عن نية العودة إلى أوروبا الغربية في وقت لاحق، أجاب أكثر من 10% بأنهم لا يفكرون في ذلك، وقال نحو 16% إنهم لم يتخذوا أي قرار بعد، ومن بين أولئك ممن هاجروا منذ أكثر من عام، ارتفعت نسبة الإجابات بـ”لا” إلى 19%، والإجابات بعدم اتخاذ قرار إلى 47%.

ووفقا لبيانات المنظمة الدولية للهجرة، فقد ارتفعت أعداد العائدين إلى بلدانهم بشكل ملحوظ في جميع أنحاء العالم خلال الفترة الماضية، إذ عاد أكثر من 2.1 مليون هندي و600 ألف أفغاني، ومعظمهم من العمال المهاجرين، إلى بلادهم خلال الجائحة.

وحسب الكاتب، فإن هذه الموجة التي سببتها أزمة كوفيد-19 قد تختفي في غضون عام أو عامين مع السيطرة على الوباء وتعافي الاقتصادات، ليشق المهاجرون طريقهم مرة أخرى من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة، لكنه يعتقد أن بعض العوامل تجعل موجة الهجرة العكسية في أوروبا الشرقية مختلفة عن غيرها.

موجة مختلفة
تعد أوروبا الشرقية المنطقة الأكثر تضررا من انخفاض عدد السكان وموجات الهجرة إلى الخارج، فهي المنطقة الوحيدة في العالم التي شهدت انخفاضا سكانيا لـ3 عقود متتالية، وأدت هجرة العقول إلى تعميق الفوارق الاقتصادية في القارة الأوروبية، حيث تكافح اقتصادات الشرق للمحافظة على القوة العاملة وتشجيع مواطنيها الموهوبين على البقاء.

لكنه خلال العامين الماضيين، وبفضل ارتفاع مستويات المعيشة في عدد من دول أوروبا الشرقية؛ قرر كثيرون العودة إلى بلدانهم، ورغم صعوبة العثور على بيانات الهجرة داخل دول الاتحاد الأوروبي قبل انتشار فيروس كورونا، فإن المؤكد أن معدلات الهجرة انخفضت منذ عام 2010 في 9 من أصل 11 دولة شيوعية سابقة انضمت إلى الاتحاد الأوروبي.

وتراجعت معدلات الهجرة إلى المملكة المتحدة -التي كانت تشكل نقطة جذب رئيسية لسكان أوروبا الشرقية- 6 أضعاف عام 2017، مقارنة بالسنوات السابقة.

أما العامل الثاني الذي يجعل هذه الموجة مختلفة عن غيرها -وفقا للكاتب- فهو أن اقتصادات أوروبا الشرقية تبدو قادرة على استيعاب جزء لا يستهان به من العائدين، فعلى عكس الاقتصادات الراكدة في مناطق أخرى من العالم مثل أميركا اللاتينية، تحقق دول وسط وشرق أوروبا نموا اقتصاديا سريعا.

وعلى عكس دول آسيا التي تعاني من وفرة العمالة وانخفاض الرواتب، فإن الشركات في أوروبا الشرقية عانت قبل انتشار الوباء من نقص العمالة، مما أدى إلى زيادة الرواتب، الأمر الذي قد يغري الكثير من مواطني هذه الدول بالبقاء.

وفي ظل التوجه العالمي نحو تقصير سلاسل التوريد، فمن المرجح أن تحتضن دول أوروبا الشرقية إنتاج المزيد من السلع الموجهة لدول الاتحاد الأوروبي، مما سيجعل الشركات ترحب بالعمالة العائدة إلى الوطن.

أخيرا، تلعب عضوية دول أوروبا الشرقية في الاتحاد الأوروبي دورا مهما في تشجيع العائدين على البقاء في دولهم، حيث لا يُعتبر التنقل والعودة إلى دول غرب القارة أمرا صعبا بعد اتخاذ قرار البقاء.

دور السلطات في دعم العائدين
بات التحدي المطروح أمام المسؤولين في دول أوروبا الشرقية هو كيفية التعامل مع هذا التدفق المفاجئ. وحسب الكاتب، فإن السلطات -على المستويين الوطني والمحلي- مطالبة بالتركيز على التدابير قصيرة المدى لمحاولة الحفاظ على رأس المال البشري.

ومن الممكن في هذا الإطار استعارة بعض الأفكار من الولايات المتحدة والبلدان الأخرى، التي لها تاريخ طويل في جذب المواهب، مثل منح القروض منخفضة الفائدة، والإعفاءات الضريبية للراغبين في البقاء فترات طويلة، وتقديم المساعدة الإدارية من أجل العثور على أماكن مناسبة للعيش ومدارس ورياض أطفال، ومثل هذه الجهود لا تتطلب ضخ الكثير من الأموال.

ويقول أناستاس كارتشيف إنه لا يعلم عدد العائدين الجدد الذين ينوون البقاء، لكن ما يعرفه أن “الرواتب ارتفعت بشكل كبير جدا خلال السنوات الماضية في الشركات المحلية، كما أن هناك أشخاصا يقولون إن العيش في إسبانيا لا يختلف عن العيش في بلغاريا”.