أولاً، إن النظام الاقتصادي في لبنان ليبرالي حرّ قائم على حرية التداول وحرية التحاويل وحرية القطع. وهذه المبادئ مكفولة في مقدمة الدستور وفي القوانين اللبنانية المرعية الإجراء.
ولطالما اعتبر المواطنون اللبنانيون ان النظام الاقتصادي يشكّل ميزة تفاضلية أساسية للبنان لا يمكن التفريط بها، وإن وضع النظام الاقتصادي الليبرالي الحرّ بمواجهة الاستقرار النقدي والمالي لهو أمر مرفوض، والخاسر الأكبر من هذه المواجهة هو عامل الثقة، الذي حينما يُفقد يصعب نيله مجدداً.
إن الاجراءات المقيّدة التي اتخذها القطاع المصرفي أخيراً، وفي غياب أحد أهم الأدوار المفترضة للبنك المركزي والهيئات الرقابية في الحفاظ على هذه الثقة، أتت نتيجتها معاكسة تمثّلت بتراجع الثقة الداخلية والخارجية بالقطاع المصرفي اللبناني، وازدادت خشية المودعين، إضافة إلى عوامل أخرى بنيوية، منها ما يتعلّق بسوء الإدارة الحكومية المتراكمة وضعف الرقابة البرلمانية، وصولاً إلى عوامل أخرى سياسية وأخرى تتعلّق بالمخاطر السيادية.
ثانياً، انطلاقاً ممّا تقدّم، إن التمسّك بهذه المبادئ – الثوابت لهو أمر مبدئي لنقابة المحامين في بيروت، ولا يحيدها عنه وضع سياسي أو اقتصادي مأزوم أو التزامات وخيارات ائتمانية غير محسوبة، كانت ذهبت إليها المصارف من دون ارتقاب كافٍ لما حصدته راهناً، ولما ستتركه من عواقب على ثقة المودعين والخارج.
ثالثاً، إذا كان ثمّة مبرّر – وفقط في حال وجود مبرّر جدّي وحقيقيّ – لإجراء أي قيود على حركة السحوبات والتحاويل المصرفية “تداركاً لتهافتٍ أو إنهيارٍ مُفترض”، فإنها ليست من اختصاص جمعية المصارف، التي هي جهاز نقابي للمصارف ولا تشكّل سلطة دستورية على المودعين، ولا يحق لها أساساً القيام بهذه الإجراءات غير القانونية والاستنسابية والتعسفية، مستغربين هنا سياسات المصرف المركزي بهذا الصدد. وإن كان من مبرّر صريح أكيد وملح، كان الأصح والأجدى صدور نظير هذه الإجراءات أو بعضها، في الشكل بقانون يصدر عن مجلس النواب، وفي المضمون على نحو عادل، يميّز بين وضعيات قانونية مختلفة للمودع كأن يُصار إلى مراعاة النفقات الشخصية الحياتية للأفراد، والتشغيلية للمؤسسات التجارية والمهنية وضرورات الاستيراد وحفظ الحقوق، الأمر الذي لم تراعِه هذه الاجراءات.
لذلك، يدعو نقيب المحامين في بيروت وإحقاقاً للحقوق وتحسساً بهموم الناس، وعلى ضوء التجارب الدولية التي عالجت أزمات مشابهة، إلى وقف هذه الاجراءات غير الدستورية وغير القانونية فوراً، والإمتناع عن فرضها مجدداً، إلا وفاقاً للآلية المنوّه عنها أعلاه وفقط في حال وجود مبرّر جدّي وحقيقيّ لها.