لم يتلقف الإقتصاد اللبناني الفرص الذهبية المتتالية من تدفق التمويل الخارجي، نتيجة الدعم والإحتضان الدولي لإعادة الإعمار في بداية التسعينات، ولجوء رؤوس الأموال الإغترابية والعالمية إلى الجنّة المصرفية اللبنانية (وقتها) نتيجة الأزمات العالمية في بداية الألفية الثانية 2001-2002، 2008-2009، و2011-2012.
إرتكبنا كمجتمع خطأ إستراتيجياً بالإعتماد المفرط على السياحة، في منطقة تُعتبر من الأشد سخونة جيوسياسياً في العالم، حيث يواجه الشرق الأوسط نوعاً من أنواع النزاع سنوياً، والتي غالباً ما تنتقل إلى مرحلة الحروب المشتعلة هنا وهنالك. كنّا أيضاً في عداد المتفرجين على النهضة السياحية التي شهدتها الدول المجاورة مثل تركيا ومصر، مستفيدة من خفض قيمة عملتها وتطويرها إستراتيجيات ومسارات سياحية متمّيزة لجذب السياح.
كما تمادينا في الإدمان على تحويلات المغتربين، ولم نلتفت إلى تحوّل الإقتصاد العالمي التدريجي من العولمة إلى سياسات التوطين المحلي والتي تهدف بشكل أساسي الى تقليص تسرّب الأموال المنتجة محلياً الى بلدان أخرى. وتتصدّر البرازيل ودول الخليج العربي والمكسيك والولايات المتحدة السباق لتطبيق سياسات التوطين المحلي، والتي كانت بطبيعة الحال من أهم مصادر التحويلات إلى لبنان، بالاضافة طبعاً الى التشدّد في التحويلات المالية العالمية.
يتفاجأ اليوم صنّاع القرار اللبناني بالتقلّب الكبير لمردودات السياحة اللبنانية وشحّ التحويلات، في غياب واضح لأي رؤية إستراتيجية لبنانية قادرة على إستيعاب المتغيّرات الدولية والتعامل معها للنهوض بلبنان وبناء إقتصاد منتج ومستدام.
في المقابل، يستورد لبنان سنوياً بـ 20 مليار دولار، منها 4 مليارات دولار من المشتقات النفطية، 1.3 مليار دولار منتجات صيدلانية، 1.1 مليار دولار معدات كهربائية وإلكترونية، وحوالى 1.2 مليار دولار من الحيوانات، منتجات الألبان، والفواكه. وفي ظل هذه الأرقام يتساءل الشعب اللبناني: لماذا لم تتمّ إعادة تشغيل مصافي النفط اللبنانية في طرابلس والزهراني؟ أين الصناعة والطاقات اللبنانية التي غزت العالم؟ وأين الثروة الزراعية والحيوانية التي لطالما تغنّينا بها؟
يتفق الخبراء والمراقبون أننا لا نزال في بداية الأزمة، وأمامنا مسار طويل للخروج من هذا النفق المظلم. وبالتالي ستتواصل التطورات المتسارعة في الوضع اللبناني، وسيساعد كثيراً وجود حكومة قادرة على وضع تصورات للحل والقدرة على تنفيذها، وسيكون محتوماً عليها التواصل مع المجتمع الدولي، لأنّه لا حل داخلياً بحتاً في ظل طبيعة أزمة أساسها الشح في العملة الصعبة وإقتصاد إستهلاكي مثقل بدين خارجي ضخم.
إنّ عالم الإقتصاد والمال هو علم الأرقام والتحليل العلمي وبالتالي، يستطيع الخبراء إستنباط تطور الأمور وردة فعل الأسواق عبر درس خيارات صنّاع القرار وأولوياتهم وتحديد السيناريوهات الأكثر إحتمالاً للتحقيق. من هذا المنطلق ومن تجربة بعض الدول التي مرّت بتجارب مماثلة، يُتوقع أن يشهد لبنان تطورات كثيرة في العام 2020، منها الاحتمالات التالية:
1- تحقيق القيمة الفعلية للدولار في الأسواق الثانوية (2700-3100 ليرة للدولار)
2- فك إرتباط الليرة بالدولار في المعاملات الرسمية أو خفض قيمة العملة الثابتة.
3- توقف المصارف عن عرض الدولار وبالتالي دفع مستحقات مودعي العملات الأجنبية بالليرة اللبنانية.
4- إرتفاع متزايد وكبير في أسعار المنتجات نتيجة تغيّر سعر الصرف وزيادة العرض المالي بالليرة (طبع العملة).
5- شح في وجود السلع في الأسواق وزيادة الطلب على منتجات ذات جودة وأسعار أقل.
6- إزالة ضوابط الأسعار وخفض الدعم الحكومي لأسعار القطاعات الأساسية مثل الكهرباء والطحين والمشتقات النفطية.
7- تعثّر بعض المصارف في ظل تخلّف الناس والمؤسسات عن دفع القروض وصعوبة في تسييل الموجودات.
8- حالات دمج للمصارف لمواجهة التعثّر وخفض عدد الموظفين.
9- عدم القدرة على رفع التأمينات على الحسابات المصرفية وبالتالي خسارة جزء من أموال المودعين.
10- إنخفاض كبير في أسعار العقارات خصوصاً لجهة عمليات الشراء بالعملة النقدية”.
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا.