يعتقد خبراء أنّ ردّ طهران، عقب اغتيال قائد “فيلق القدس” اللواء قاسم سليماني، سيكبّد الكثيرين تكاليف، ولكن واشنطن قد تتجاوزه وتستفيد منه. وحتى مطالبة بغداد بخروج القوات الأميركية من أراضيها، إذا تحققت، سيربطها الأميركيون بالمليارات التي دفعوها هناك منذ 2003، ويصعب على العراقيين تسديدها، خصوصاً في هذه الظروف.
ويقول الخبراء: إذا أقفل الإيرانيون مضيق هرمز، لمعاقبة الأميركيين وحلفائهم، فإنّ عمليات تصدير النفط التي تقوم عليها الحركة الاقتصادية العالمية بنسبة تفوق الـ25%، ستتوقف، وسيتضرّر الخليجيون.
أما الولايات المتحدة فقد تكون فرصتها لزيادة إنتاجها من النفط الأحفوري الذي اكتشفت كميات هائلة منه في أراضيها. وسيزداد الطلب العالمي عليه عندئذٍ، على رغم كونه أغلى ثمناً من النفط العربي، لأنّ إنتاجه أكثر صعوبة. والسبب هو أنّ ثمنه سيصبح مناسباً عندما ترتفع أسعار النفط العربي بسبب الأزمة وتراجع الكميات.
وسيستفيد الأميركيون من كون فنزويلا وإيران في حال الأزمة وتحت الحصار، وهما دولتان أساسيتان في نادي الدول المصدِّرة، فيما هم يسيطرون على المصادر في دول أخرى.
إذاً، في عمق الصراع الأميركي – الإيراني، الذي شاء لبنان أن يقحم نفسه فيه، لا يمكن استبعاد ملف النفط والغاز. وبينما ما زال لبنان يتعامل مع أزماته الاقتصادية والسياسية القاتلة بالأساليب التقليدية، وببطء شديد، تنطلق أزمات النفط والغاز والحروب البالغة الخطر، بل تتقاطع، في مياهه الاقتصادية الخالصة.
وهذه الأزمات والحروب انطلقت خلال أيام قليلة، وفي شكل صادم، وهي تنذر بما لا يمكن توقّعه. ويجدر التفكير جيداً في الحيثيات التي دفعت بباخرة البحث اليونانية، الآتية من حيفا، إلى اختراق السيادة اللبنانية قبل أسابيع، والتوقف لساعات في البلوك 9 المحاذي للآبار الإسرائيلية.
فالصراع على مصادر الغاز الطبيعي شهد اندفاعة قوية في الأيام القليلة الماضية، من المتوسط غرباً إلى الخليج العربي شرقاً مروراً بتركيا، ومن أوروبا الغربية إلى شرق آسيا، مروراً بروسيا. وخريطة هذا الصراع تبدو كالآتي:
1- هناك خط “شرق المتوسط”، الذي يربط بين إسرائيل ومصر والأردن وقبرص واليونان. وقد تمّ توقيع الاتفاق عليه قبل أيام في أثينا. وهو سيضخّ الغاز الإسرائيلي إلى إيطاليا فبلدان أوروبية أخرى. ويحاول أركان هذا الاتفاق تطمين روسيا إلى أنهم ليسوا في وارد منافستها في أوروبا، بل إنهم مهتمون بفتح أسواق جديدة.
2- هناك خط تركيا- ليبيا الذي يرتكز على عملية ترسيم الحدود التي تمّت بين الطرفين وتحاول أنقرة حمايتها بالتدخل العسكري في ليبيا لمصلحة حكومة فايز السرّاج. ويردّ الأتراك على تجاهل اليونان وإسرائيل ومصر واقع سيطرتهم على الجزء الشمالي من قبرص. لذلك، بادروا إلى التحدّي بإرسال سفن للتنقيب قبالة شواطئ الجزيرة ومناطق أخرى في المتوسط.
لكنّ الأخطر هو اتفاق ترسيم الحدود بين ليبيا وحكومة السرّاج في نهاية تشرين الثاني الفائت، لأنه يتجاوز السيادة اليونانية على جزيرة كريت. ويهدّد إرسال تركيا قواتها إلى ليبيا، ومواجهة قوات حفتر المدعومة مصرياً وسعودياً، باحتمال تورّط الجميع في مأزق أشدّ صعوبة من المأزق السوري.