قبل سنة من اليوم، وعند خروجه من إجتماع لجنة المال والموازنة النيابية قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة انهم سيقومون بكل ما يسمح به القانون للتحقق من التحويلات التي حدثت في نهاية العام 2019 ومطلع العام 2020. و”إن كان هناك من أموال مشبوهة تعود للاشخاص المعرضين سياسياً أو لاصحاب المصارف، فبامكاننا معرفتها بعد التأكد من انها خرجت من لبنان”. فـ”كل شي ممكن نلاحقو قانونياً. وما في شي بيختفي”، بحسب الحاكم آنذاك.
المبالغ المحولة
في الحقيقة إن الاموال المحولة إلى الخارج، قبل مدة وجيزة من اندلاع الازمة واثنائها، قد “اختفت”. تقدّر الاموال الخارجة من النظام المصرفي اللبناني منذ أيلول 2019 ولغاية مطلع العام 2020، أي في 5 أشهر فقط، بحوالى 4 مليارات دولار. وهي تنقسم بحسب تصاريح سابقة للخبير الاقتصادي حسن مقلد، إستناداً إلى أرقام لجنة الرقابة على المصارف إلى قسمين. الاول يمتد من 5 أيلول 2019 ولغاية 17 تشرين الاول 2019، سجل فيه خروج 1.6 مليار دولار. والثاني يمتد من 17 تشرين الاول 2019 ولغاية 14 كانون الثاني 2020 وسجل فيه خروج نحو 2.3 مليار دولار، وبمجموع وصل إلى 3.9 مليارات دولار، 1.5 مليار دولار من أصل مجموع هذا المبلغ يُقّدر ان يكون قد ذهب على تسديد مستحقات مصرفية عن ودائع المصارف العالمية التي جرى وضعها في المصارف اللبنانية، أو ما يعرف باللغة المصرفية بـ Fiduciary. وعلى الرغم من أن هذه العمليات لا تشكل مبرراً للتحويل، فقد أُهملت وسُحبت من المتابعة والملاحقة والتدقيق.
العجز عن الملاحقة
السبب في عدم القدرة على ملاحقة الاموال المهربة وكشف أسماء المحولين والجهات التي جرى التحويل اليها، ومن بعدها العمل على استردادها، يعود بحسب مصادر متابعة للملف إلى المسار القضائي الخاطئ الذي سارت به العملية منذ الأساس. فملاحقة هذه الاموال تبدأ وتنتهي بالقضاء. وما حصل انه بدلاً من ان تُقدم لائحة باسماء الاشخاص المشكوك بتحويلهم للاموال من السياسيين واصحاب المصارف والمساهمين بها، ومن يملكون ذمماً مالية مع الدولة مثل المتعهدين وغيرهم للتحقق من حساباتهم، جرى تسطير استنابة قضائية أو ارسال رسالة قضائية إلى هيئة التحقيق الخاصة تطالبها بكشف الاموال المشبوهة التي حولت إلى الخارج. وفي كلمة “المشبوهة” نية واضحة لاقفال القضية وعدم السير بها. فهي تعني أولاً أن المصرف الذي حول الاموال إلى الخارج كان على علم بان هذه الاموال مشبوهة وقد قام بتحويلها، ما يضعه تحت المعاقبة ويعرضه للملاحقة القانونية بأكثر من تهمة. وعليه، فقد كان الاجدى بحسب المصدر القول: وجوب التحقق من تحويلات الاشخاص المعرضين سياسياً أو ما يعرف بـ “PEP”. فهذه الفئة من المتعاملين مع المصارف توضع في خانة مغايرة للمودعين العاديين. ذلك ان امتلاكها وتحويلها مبالغ مالية تفوق دخلها المصرح عنه يضعها في خانة الشك ويعرضها للملاحقة القانونية والمالية والضريبية.
إيجاد الطريقة لملاحقة الاموال المهربة من لبنان سهل، وهو لا يتطلب بحسب المصدر إلا قيام السلطة المالية بتوجيه سؤال إلى أي جهة خارجية عن الاشخاص الذين حولوا الاموال وما هو مقدار المبالغ المحولة. وعلى الجهات الخارجية الاجابة عن التساؤلات عملاً باتفاقية التبادل الضريبي التلقائي الموقع عليها لبنان. فمن حق الدولة ملاحقة مواطنيها ضرائبياً في الداخل والخارج. لكن المشكلة انه لا توجد نية فعلية أو حقيقية للسير في هذا الملف، لان هناك اشخاصاً بمواقع كبيرة متورطين في إخراج الاموال انطلاقاً من استغلال مواقعهم الوظيفية.
التعميم 154
الفشل الذريع في ملاحقة الاموال المهربة من دون وجه حق واستردادها، دفع مصرف لبنان إلى اصدار التعميم رقم 154 في شهر آب من العام 2020. وذلك بهدف حث المصارف لعملائها على ارجاع ما بين 15 و30 في المئة من المبالغ المحولة بعد 1/7/2017 والتي تفوق 500 الف دولار، ووضعها في حساب مجمد لمدة 5 سنوات. هذا التعميم وضع شهر شباط من العام الحالي كحد أقصى لارجاع نحو 4 مليارات دولار. إلا انه بحسب آخر المعطيات فان المبالغ المستردة وفق هذا التعميم، قبل أقل من شهر على الموعد الأخير، لم تتجاوز بعد 700 مليون دولار. في حين ان ملاحقة الاموال المهربة يعيد ضخ حوالى 8 مليارات دولار في شرايين المصارف “المنشّفة”. حيث ان الاموال المهربة من قبل PEP منذ ما قبل أيلول 2019 بفترة وجيزة وخلال العام 2020 تتراوح قيمتها بين 6 و7 مليارات دولار من أصل مجمل التحويلات المقدرة بـ 8 مليارات دولار.