مرفأ طرابلس بين الاهمال المعتاد والاستثمار المستجد.. هل لحركته بركة؟

8 فبراير 2021
مرفأ طرابلس بين الاهمال المعتاد والاستثمار المستجد.. هل لحركته بركة؟

شغب و حريق وجائعون يجوبون الأحياء والشوارع والطرقات سائلين عن لقمة عيشهم في زمن الوباء، مضرمين النار في دار البلدية، ومخربين كل ما تمكنت ان تصل اليه أيديهم. انها الصورة الأخيرة المتداولة عن عاصمة الشمال طرابلس.
لن ندخل في تفاصيل هذه الصورة، ولن نبحث فيها عن الوان الجوع التي اختفت وخمدت مع انخماد حريق البلدية، و لا عن الدولة  وهيبتها التي تتعاطى مع المدينة وفقا لنظام “القطعة”.
ما يهمنا هو الصور الأخرى الممكنة عن هذه المدينة، ومنها صورة مرفأ قد يشكل خشبة خلاص للمدينة ومن خلفها البلد.
فحركة سفن يشهدها مرفأ طرابلس هذه الفترة، اذ استقبل الأحد 31 كانون الثاني اولى البواخر العاملة ضمن  الخط البحري  Megan الذي تسيّره شركة CMA CGM الفرنسية، لتليها باخرة ثانية في 7 شباط، على ان نكون يوم الاحد 15 شباط على موعد لاستقبال اكبر باخرة تدخل الى مرفأ طرابلس منذ انشائه، اذ يقارب طولها 335 مترا و هي تعمل ضمن خط Med Express .
هذان الخطان اي Megan وMed Express يصلان طرابلس بأهم الموانئ الخليجية  في السعودية، قطر، الكويت، العراق وغيرها كما عدد من الموانئ  الآسيوية والاوروبية كالصين وكوريا الجنوبية، واوروبا و أميركا الجنوبية.

اذا، كيف يمكن ترجمة هذه الحركة بالنسبة للاقتصاد اللبناني والوضع في عاصمته الثانية طرابلس؟. 

تأمين الواردات  بالدولار الأميركي 
يمكن لهذه الحركة ان تؤمن ايرادات تتراوح ما بين مليون ونصف  مليون دولار أميركي  و مليون و 800 ألف دولار أميركي ، وهنا طبعا نتحدث عن دخول العملة الصعبة الى البلاد في زمن الشح والحاجة الملحة لها.
هذا المبلغ يمكن له ان يتطور ويزداد حسب تزايد هذه الحركة، من هنا يمكن الحديث عن سيناريوهين:
الأول  يعبر عن اهتمام القيّمين ومن خلفهم الدولة اللبنانية، بهذه الحركة، ما يؤدي الى تعزيزها، تنظيمها وتطويرها وبالتالي رفع نسبة الواردات من خلالها.
اما السيناريو الثاني فهو المتعارف عليه  في تجربتنا اللبنانية، وهو متمثل باهمال عن قصد او غير قصد لهذه الحركة ما يؤدي الى تراجعها وتراجع مداخيلها.

خلق فرص عمل
في زمن البحث الضائع عن فرص عمل، و زمن البطالة التي تنهش الجسم اللبناني الشاب، وتثقل عاصمته الثانية طرابلس اذ تخطت نسبة البطالة فيها ال 70%.
يمكن اعتبار حركة السفن في مرفأ طرابلس بارقة أمل، اذ دفعت  الى ارتفاع عدد السفن التي تشغلها شركة الحاويات من 12 الى 20  سفية، ما أدى مباشرة الى رفع عدد اليد العاملة في هذه الشركة التي لجأت الى استخدام 50 عاملا جديدا.

تفعيل تصدير البضائع اللبنانية
شهدت حركة تصدير البضائع اللبنانية شبه ركود مع اندلاع  الأحداث في سوريا في العام 2011، اذ توقفت حركة “الترنزيت” و من ثم  وفي فترات لاحقة تم رفع رسومها بنسب مختلفة و متفاوتة ما حتم على تجار ومصدري البضائع اللبنانية، التوقف او التخفيف من  تصدير بضائعهم الى الدول العربية والغربية.
اليوم مع عودة الحركة الى مرفأ طرابلس عبر الخطين البحريين Megan و Med Express ،يمكن الحديث عن حظوظ جديدة  للبضائع اللبنانية في ان تسلك طريقها الى الأسواق العربية و العالمية.
و هنا لا بد من الاشارة الى امكانية تفعيل الدورة الاقتصادية اللبنانية، اذ ان عملية التصدير سترخي بنتائجها على أكثر من قطاع، ما سيترجم بارتفاع ملحوظ في عدد اليد العاملة وعودة انتظام ممكنة للدورة الاقتصادية.
تفعيل المناطق الحرة
الخدمة الأساسية التي يقدمها مرفأ طرابلس اليوم، هي “المسافنة” اي ان السفينة الكبيرة التي تمر فيه تفرغ جزءا من حمولتها في طرابلس وتأتي بعدها سفن أصغر لتنقل هذه الحمولة الى دول لا تملك موانئ تستطيع استقبال السفن الكبرى.
و قد تكون أبرز الاستفادات من تشغيل مرفأ طرابلس عبر الخطين  Mega و   Med Expressمتمثلة في تفعيل وتطويرعمل المنطاق الحرة  ( تبلغ  مساحتها حوالي 150000م2)و يتم فيها منح مزايا اقتصادية ومالية محددة لتشجيع الصادرات والواردات، وتعتبر السلع المنتجة أو المخزنة فيها خارج المنطقة الجمركيـة .
و اليوم يمكن القول ان المنطقة الحرة في طرابلس شبه ممتلئة وبالتالي تبرز الحاجة  لخلق مساحات اضافية، ما يحمل نتائج ايجابية على أكثر من قطاع عمل، كما يؤمن موارد مالية اضافية تدخل السوق اللبناني في عز جموده.
فالمناطق الحرة قادرة ان تستقطب الاستثمارات الى لبنان,  اذ انها تعتبر ميزة اساسية و مدماكا صلبا في اقتصاده ، فمفهوم  المناطق الحرة يغيب عن كامل المتوسط ليظهر حصرا في لبنان و تركيا.
و يذكر انه في الفترة الأخيرة، قامت شركة سويسرية بالاستثمار في المنطقة الحرة بمرفأ طرابلس، ما ادى مباشرة الى تشغيل 50 يد عاملة اضافية.

تطوير المناطق الاقتصادية 
المنطقة الاقتصادية  المجاورة لمرفأ طرابلس يمكن ان تفتح بابا واسعا في الحياة الاقتصادية اللبنانية اذ ما تم العمل على تحديثها  وتطويرها.
فتفعيلها  يحتاج مبلغا لا يتخطى المليون دولار أميركي كما ان العمل فيها  يتطلب انهاء مشروع نظام “التراخيص”، ما يسهّل دخول المستثمرين والاستفادة من نشاطهم.
مع الاشارة الى انه لا بد من تعيين ” استشاري” للمنطقة الاقتصادية، يقوم بالعمل على خلق و دراسة خطة للشراكة مع القطاع الخاص الذي يحق له حسب القوانين ادارة و تطوير هذه المنطقة. 
يذكر ان مرفأ طرابلس هو المرفأ الثاني في لبنان، يمتد على مساحة تصل الى  ثلاثة مليون متر مربع و له حالياً حوض واحد وثمانية أرصفة، كما يستقبل المرفأ سنوياً حوالي 450 سفينة، بمعدل شهري يبلغ حوالي 37 سفينة .
ان مرفأ طرابلس كسواه من المرافئ الحيوية في طرابلس عانى من الاهمال ومن المشاريع الكثيرة التي رسمت للمدينة.
مؤخرا مع بداية الحديث عن اعادة اعمار سوريا، عاد المرفأ ليظهر الى الواجهة  كعنصر جذب وممر يسهّل ويفيد عملية الاعمار، كما ان اسهم المرفأ ارتفت بعد  تفجير الرابع من اب.

فهل سيكتب لهذا المرفأ ان يشغّل محركاته على صدى التناقضات، فيبعث الأمل في طرابلس و منها الى لبنان، أم انه سيبقى رهينة لسياسات التدمير التي انتهجتها السلطة المركزية بحق الشمال وعاصمته؟.
جو لحود خاص لبنان 24