في الواقع، المضاربون يراهنون على أربعة عوامل جعلتهم يقومون بتسليم 50% فقط من الكميات المطلوبة. هذه العوامل هي:
أولا – الانسداد في الأفق لناحية تشكيل حكومة في المدى المنظور نظرا إلى التعقيدات الأخيرة على المشهد السياسي والتصلّب الناتج من هذه التعقيدات.
ثانيا – التوقّعات بقرب انتهاء الدعم المُقدّم من قبل مصرف لبنان، وبالتالي توجّه الطلب نحو السوق السوداء، مما سيزيد حكما الطلب ومعه الأسعار، وهو ما يدفع المضاربين إلى وقف تسليم الدولارات.
ثالثا – عمليات التهريب المُستمرّة التي تأكل قسماً لا يُستهان به من الدولارات في السوق، خصوصا في هذا الطقس البارد.
رابعا – توقعات بزيادة الطلب على الدولار من قبل المواطنين والشركات كعمل استباقي لارتفاع سعر صرف الدولار.
تاريخيا، هناك محطتان رئيسيتان رفعت سعر صرف الدولار في السوق السوداء:
– المحطّة الأولى: هي طرح الخطة الحكومية التي نصّت على رفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة إلى 4300 في الأعوام
الخمسة القادمة. وهو ما رفع سعر الصرف من حدود الألفي ليرة للدولار إلى أربعة آلاف، ولم يُعاود بعدها الدولار هبوطه تحت هذا المستوى (Arbitrage Opportunities).
– المحطّة الثانية: وهي وقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، مما أدّى إلى رفع هيكلي في سعر دولار السوق السوداء إلى مستويات الثمانية آلاف ليرة، ولم ينخفض بعدها السعر إلا لفترات قصيرة (لتحقيق أرباح).
بالإضافة إلى هاتين المحطتين، ساعد طبع العملة الذي قام به مصرف لبنان منذ إعلان رئيس الحكومة حسان دياب وقف دفع سندات اليوروبوندز وحتى الساعة، على رفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء نتيجة التضخّم الناتج من عملية الطبع هذه. لكن هل تعكس هذه المستويات في سعر الدولار واقع الليرة اللبنانية؟
على الصعيد الاقتصادي، الجواب قطعا لا! فالمعروف أن الطلب على الدولار الاقتصادي (بهدف الاستيراد) انخفض من 20 مليار دولار أميركي في العام 2019 إلى سبعة مليارات دولارات أميركي في العام 2020. وهذا يعني أن هذا الطلب انخفض بنسبة 65 % مما يعني أن الطلب على الدولار في السوق حاليا ليس بطلب اقتصادي!”.