وقبل أيام، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية أن بلاده لا تدين لصندوق النقد الدولي “ولو بفلس واحد”، لافتا إلى أن الاحتياطي الحالي للمركزي التركي يفوق 95 مليار دولار.
كيف استطاعت تركيا تصفير ديونها مع صندوق النقد؟
وفي حديث للجزيرة نت، أرجع محمد كلوب الباحث الاقتصادي بجامعة يلدريم بيازيد نجاح تركيا في تصفير ديونها مع صندوق النقد إلى 3 عوامل:
الاستقرار الاقتصادي والسياسي وما تبعه من قفزة في الناتج المحلي الإجمالي للضعفين في الفترة 2002-2008 من ما يقارب 250 مليار دولار إلى 770 مليار دولار سنويا.
التحرر من قيود صندوق النقد الدولي على أبواب الإنفاق الحكومي وكذلك الاقتراض في العام 2008، مما أتاح الفرصة للإنفاق والاقتراض غير المشروط، وهذا الأمر أدى إلى تركيز الحكومة التركية على مشاريع البنية التحتية التي هيأت الفرصة لتسارع النمو الاقتصادي.
انخفاض قيمة الدين العام من 45% إلى 35% من الناتج المحلي، وذلك نتيجة القفزة الاقتصادية وآثارها الإيجابية على إيرادات الحكومة ورصيد البنك المركزي التركي.
ووصل العجز في الميزانية التركية خلال ذلك العام إلى 16%. كما وصلت الدّيون العامة إلى 74%، وتدنّى الدخل القومي إلى مستويات كبيرة، حيث بلغ 180 مليار دولار، وانخفضت قيمة العملة التركية بنسبة 100%.
وفي عهد العدالة والتنمية، تمت الاستدانة من صندوق النقد خلال فترتين، الأولى كانت في العام 2002 وانتهت في العام 2005 بما يقارب 12 مليار دولار، تبعتها فترة تجديد التوقيع على برنامج الدعم في عام 2005 التي انتهت بدورها في العام 2008 بما يقارب 6 مليارات دولار، لم تستخدم منها تركيا إلا 4.5 مليارات دولار، وفق بيانات نشرها صندوق النقد الدولي.
لماذا يصر أردوغان على الفكاك من صندوق النقد؟
لإيمانه بأن اللجوء لصندوق النقد الدولي سيجبر الحكومة على اتباع سياسة إنفاق انكماشية ستؤدي لإيقاف عجلة النمو الاقتصادي.
فجوة الأهداف بين صندوق النقد من جهة ورؤية الرئيس التركي من جهة أخرى، إذ يشترط الصندوق الاعتماد على الفائدة، وهذا يعني أن البنك المركزي سيكون مضطرا لرفع سعر الفائدة من دون سقف في ظل معارضة أردوغان الشديدة لرفع أسعار الفائدة وتشجيعه لخفضها لدفع عجلة النمو الاقتصادي في البلاد، وهو ما لن يتحقق في حال لجوء تركيا لصندوق النقد.
خشية استخدام جهات خارجية ورقة صندوق النقد الدولي للضغط على الحكومة التركية للتنازل في بعض القضايا الإقليمية السياسية.
ما حجم ديون تركيا الداخلية والخارجية بشكل عام؟
وبالنسبة للديون الخارجية، فقد أعلنت وزارة الخزانة والمالية التركية في بيان أن إجمالي الدين الخارجي لتركيا بلغ 431 مليار دولار في نهاية العام 2020. وقالت الوزارة إن نسبة الديون الخارجية إلى الناتج الإجمالي المحلي بلغت في كانون الأول الماضي 56.9%، وبلغ صافي الدين الخارجي للبلاد 256.5 مليار دولار بما نسبته 33.8% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأظهرت بيانات نشرتها وكالة بولمبيرغ (Bloomberg) أن إجمالي الديون الخارجية المضمونة بالخزانة بلغ 14.2 مليار دولار حتى نهاية مارس/آذار الماضي. وبلغ رصيد الدين الحكومي العام الذي حدده الاتحاد الأوروبي نحو 1.55 تريليون ليرة تركية (235 مليار دولار)، أو 35.1% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية آذار الماضي، وبلغ صافي الدين العام 782.2 مليار ليرة تركية (118 مليار دولار) في الشهر ذاته.
وبلغ العجز في الحساب الجاري لتركيا حتى نهاية العام الماضي نحو 30 مليار دولار، وهو ما يعني -وفق تقديرات الخبراء- أن احتياج تركيا من التمويل الخارجي سيبلغ 195 مليار دولار.
تأثير الديون الداخلية والخارجية على الاقتصاد المحلي؟
وبالنسبة للاقتراض المحلي وخصوصا بالعملة المحلية، فانه -حسب كلوب- يحصن الدولة من تقلبات سعر الصرف، وكذلك يرفع الضغوط الاقتصادية والسياسية عن كاهل الحكومة.
ولكن ما يعيب الدين الداخلي هو آثاره الجانبية السلبية على توزيع الدخل، ومنافسة الدولة للقطاع الخاص للحصول على التمويل اللازم من المؤسسات المالية، مما يؤثر على النمو وعدم تلبية الاحتياجات النقدية للقطاع الخاص. وعلى الرغم من سلبيات هذا الخيار، فإنه يعد الأفضل لتركيا حاليا بشرط المحافظة على استقرار سعر الصرف والتضخم.