وقال موقع “ستراتفور” (stratfor) الأميركي إن هذا النهج المحافظ قد يكون مؤشرا مبكرا على أن الانتعاش الاقتصادي للصين في فترة ما بعد جائحة كوفيد-19 لن يكون قويا كما تشير البيانات الأولية.
وفي خطاب ألقاه أمام مجلس الشعب الصيني في الخامس من آذار الجاري، حدد رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ هدفا للنمو “يفوق 6%”، أي أقل بكثير من أغلب التوقعات، بما في ذلك توقعات صندوق النقد الدولي بأن يبلغ النمو 8.1%، والتوقعات العامة بشأن إمكانية نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 بنسبة 8 أو 9%.
إن وضع هدف نمو في حدود 6% يعد معيارا منخفضا، ويمكن تحقيقه بسهولة، خاصة بعد تسجيل معدل نمو بنسبة 2.3% في 2020، الذي يعد الأدنى منذ أكثر من 40 عاما، ولم تحدد الصين هدفا للنمو لعام 2020 في ظل حالة عدم اليقين الناتجة عن تفشي جائحة كورونا، مع افتراض عودة النمو الاقتصادي بعد التداعيات الاقتصادية للوباء، وذلك رغم أن الأدلة التي تشير إلى أن الانتعاش غير متوازن ويعتمد بشكل أساسي على العرض لا تزال قائمة حتى الآن.
هدف النمو الاقتصادي
تشير النقاشات الأولية للمراقبين الصينيين إلى أن هدف النمو الاقتصادي المعتدل والمرن لعام 2021، إلى جانب عدم تحديد هدف نمو متوسط للخطة الخماسية، يترك مجالا للعودة إلى الإصلاحات الهيكلية مجددا، وتقليل المخاطر المالية الأساسية.
ويرجح الموقع أن تتجنب الصين وضع هدف نمو طموح للغاية حتى لا تدفع حكومات المقاطعات إلى إنفاق غير مستدام من شأنه أن يؤدي إلى تدهور الاقتصاد، وذلك حتى مع توقع جميع المقاطعات (البالغ عددها 31 مقاطعة) تحقيق نمو بنسبة تتراوح بين 6 و10% هذا العام.
ولا يتوافق ارتفاع معدل التحفيز المالي المستمر في الصين مع الرواية القائلة إن اقتصادها قد تعافى من أزمة كوفيد-19، وقد توقع لي كه تشيانغ انخفاضا طفيفا في ميزانية الحكومة المركزية مع عجز قدره 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنسبة 3.6% خلال العام الماضي.
ويستثني هذا الرقم النفقات خارج الميزانية المخصصة لتمويل الحكومات المحلية وغيرها، وبمجرد إضافتها إلى الإنفاق الحكومي العام، نتج عن ذلك “عجز حكومي عام متنام” بأكثر من 18% في عام 2020، وذلك وفقا لصندوق النقد الدولي، كما أن تقليص سندات الحكومة المحلية الموجهة لأغراض خاصة من 3.75 تريليونات يوان إلى 3.65 تريليونات يوان ليس تقويضا كبيرا لإنفاق الحكومة الإقليمية والمحلية، ويعد التقليص من العجز في الميزانية الرسمية للحكومة المركزية ضئيلا مقارنة بالعجز الحقيقي في القطاع العام والديون المتزايدة.
انتعاش الاقتصاد الصيني في فترة ما بعد الوباء قد يكون أضعف بكثير مما تتوقعه بكين
ما مؤشر النمو؟
أشار الموقع إلى أن الشاغل الاقتصادي الأساسي في الصين على المدى القريب يتلخص في زيادة الطلب المحلي لتوسيع نطاق الانتعاش الاقتصادي مع الحد من تنامي الديون وسد العجز المالي الكبير، لكن الخطط والبرامج الصينية الجديدة لا تركز على العجز المالي.
يعادل “الدين الحكومي العام المعزز” 92% من الناتج المحلي الإجمالي، وإذا تم خفض إجمالي الإنفاق بنسبة 0.4% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، فسيسهم ذلك في زيادة حادة أخرى في الدين المحلي، مما يزيد العجز المالي للصين.
ولا تواجه الصين مشكلة ديون خارجية، وإنما تتعامل مع ديناميكيات ديونها المحلية -أي تطور توازن الميزانية الأساسية وتأثيرات أسعار الفائدة- التي من المحتمل أن تكون متقلبة. وحسب ما أفاد به مؤخرا معهد التمويل الدولي، فإن إجمالي الدين الصيني يعادل 335% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى مرتفع بكل المقاييس. إن الاتجاهات الإيجابية المتوقعة في ديناميكيات الديون التي تجعل الدين قابلا للإدارة تستند فقط إلى الفارق السلبي الكبير في معدل نمو أسعار الفائدة.
قدّر صندوق النقد الدولي مؤخرا أن موازنة الصين بين نسبة الدين والناتج المحلي الإجمالي تقتضي ألا يزيد العجز الأولي في الميزانية على 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي، ويقارن ذلك بعجز أولي “متزايد” بنحو 15% في عام 2020، مع انخفاض متوقع إلى 10.5% فقط بحلول عام 2025.
وقدم لي كه تشيانغ خطة رؤية الصين لعام 2035، التي لا ترقى لهدف الرئيس شي جين بينغ بشأن مضاعفة دخل الفرد على مدار 15 عاما القادمة، لو افترضنا أن عدد السكان قد استقر، فإن هدف شي جين ينطوي على متوسط معدل نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي في حدود 4.6%، وسوف يتطلب تحقيق هذا الهدف زيادات كبيرة في الإنتاجية قد تتجاوز قدرة الصين، بالنظر إلى انخفاض معدل الولادات وهرم مجتمعها الذي سيحتاج قدرات إضافية من الخدمات الاجتماعية.
لا يمكن اعتبار هدف النمو مؤشرا على النشاط الاقتصادي الفعلي، بل هو مؤشر على التوجه السياسي، وفي ظل هذا التقدير المتحفظ، فإن انتعاش الاقتصاد الصيني في فترة ما بعد الوباء قد يكون أضعف بكثير مما تتوقعه بكين أو يتوقعه العالم، ومن بين الانتقادات الشائعة للبيانات الاقتصادية الصينية أن الناتج المحلي الإجمالي يعد مقياسا للمقاصد السياسية ولا يعكس النمو الحقيقي، ومع تبني أهداف نمو يسهل تحقيقها مجددا، ستظل الأهداف الاقتصادية محركا رئيسيا للسياسات في بكين.