وفق “الأخبار”، كان متوقعاً أن يحصل هذا الأمر بمجرد بدء رفع الدعم عن أسعار السلع الأساسية المستوردة. بالفعل، يأتي هذا التطوّر بعد بدء إلغاء الدعم عن بعض السلع الغذائية المستوردة، وبعد جفاف السوق من الدولارات التي سحبتها المصارف وأجّجت مضاربات واسعة على العملة. ما يحصل ليس سوى البداية.
مجرد الحديث عن رفع الدعم أو تقليصه، أدّى الى مضاعفة التوتر في الشارع. إشارة وزني الى أن «الحكومة ستزيل بعض المنتجات عن قائمة السلع المدعومة» كانت كفيلةً بتسعير السباق على محال بيع المواد الغذائية. كما أعلن وزير المال أن «الحكومة تخطط لزيادة الأسعار تدريجياً في محطات الوقود في الأشهر المقبلة، وخفض دعم البنزين من 90 في المئة إلى 85 في المئة». وهو ما نفته لاحقاً مصادر حكومية وأخرى في مصرف لبنان لـ”الأخبار”، مشيرة الى أن أي قرار لم يتخذ في هذا الشأن، علماً بأن تصريحات وزني تقاطعت مع كلام لرئيس الحكومة حسان دياب الى «رويترز» عن «عدم القدرة على دعم الوقود بعد آذار، أو كحد أقصى حتى حزيران». وذلك إن حصل، سيكون مسبباً لانفجار شعبي غير مسبوق في غياب أي آلية للتعويض على المواطنين.
الى ذلك، علمت «الأخبار» أن السيناريو الأخير الذي أعدّته الحكومة للبطاقات التمويلية موضّب في أدراج السرايا بإحكام ويرفض رئيس الحكومة الكشف عنه سوى بعد إعلان المجلس النيابي عن حجم الاعتمادات التي سيوفرها لهذا البرنامج. في حين أن البرلمان رفض سابقاً تحمّل مسؤولية كرة النار عن الحكومة، وبالتالي سيترك هذا الأمر للحكومة المقبلة إن شُكّلت.
في هذا الاطار، يقول رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو لـ”الأخبار”: «حذرناهم منذ 15 شهراً ولم يقتنعوا. يومها، رفضنا كل أشكال الدعم نحن الذين خبرنا دعم الخبز والمازوت على مدى 20 عاماً ولم يصل يوماً الى الناس. كل ما جرى هو تمويل الاحتكارات وترسيخها». يكرر برو طلب وقف هذا الهدر الذي إن وجّه الى المحتاجين لن يكلّف أكثر من مليار دولار، ويمكن حينها «استخدام الأموال الباقية لاستنهاض الاقتصاد. لكن نحن أمام مجرمين وأشخاص يجب محاكمتهم ومحاصرة بيوتهم لا قطع الطرقات وتحويل الاشتباك بوجه بعضنا البعض». ا
الأزمة لا تناهي هنا، فالحديث عن انقطاع الأدوية من رفوف الصيدليات لم يعد استثنائياً، في كل يوم هناك دواء أو أكثر يدخل عداد «المفقودين». كما لم يعد استثنائياً انقطاع البدائل الأساسية للأدوية، والتي بات إيجادها يتطلب جولات يومية على الصيدليات… من دون طائل.
مع ذلك، لم تعد الشكوى محصورة بالناس، بحسب “الأخبار”، إذ بدأ الصيادلة يتململون من واقعهم، مع قرار 600 منهم الإقفال النهائي. تتشعب شكاوى هؤلاء بين النقص في كميات الأدوية المسلّمة من المستودعات وانخفاض المبيع من جهة، وبين جعالتهم المحررة بالليرة فيما تكاليفهم محررة بالدولار الذي يقترب من عتبة الـ15 ألف ليرة.
في الشق الأول من الأزمة، يستوجب الحديث عن أزمة الصيادلة، والناس تالياً، حديثاً عن الأزمة الحاصلة في استيراد الأدوية؛ إذ إنه، بحسب نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة، «الحلقة واحدة». وفي هذا الإطار، يبدأ جبارة الحديث لـ”الأخبار” عن قطاع الأدوية بالتدليل على «المأساة التي يتسبب فيها تأخر المعاملات في مصرف لبنان، والذي يمتد لأربعة أشهرٍ تقريباً». هذا التأخير الذي يقدّره جبارة بحدود «400 مليون دولار ينعكس انقطاعاً في بعض الأدوية ونقصاً في مخزون بعضها الآخر». لهذه الأسباب، ليس ثمة رقم موحّد لكمية الأدوية الموجودة، إذ إن احتساب هذا الأمر بات يخضع لكل دواء بحاله. ولذلك، يراوح المخزون بين شهر وشهرين على أبعد تقدير. في مقابل ذلك، ثمة أدوية من دون مخزون، «وهي مقطوعة»، خصوصاً تلك التي تشهد إقبالاً كثيفاً، «إذ بمجرد أن تأتي الشحنة تنتهي قبل وصول الشحنة التالية».
أما انعكاسات هذا الأمر، ففراغ رفوف الصيدليات من أدوية الأمراض المزمنة والأمراض المستعصية والأدوية التي تستخدم في إطار العلاج من فيروس كورونا وبعض أدوية الـ»otc» (الأدوية التي تصرف من دون وصفات طبية). ماذا يفعل ذلك الفراغ؟ عدا عن عدم تلبية حاجات الناس التي باتت أزمة دائمة، «تأتي أزمة الصيادلة الذين خسروا مداخيلهم التي كانت تأتي من الجعالة المقدرة من وزارة الصحة العامة بـ22,5% من مبيع الدواء»، يقول نقيب الصيادلة، غسان الأمين.