منصّة مصرف لبنان الموعودة تهدف إلى ضبط سعر الصرف الدولار، في كل مرّة يرتفع فيها منسوب النكايات السياسية، حسنًا، ولكن من أين سيأتي مصرف لبنان بالدولارات للتدخل في السوق ولجم الدولار كلما اختلف أهل الساسة؟ هل سيستخدم ما تبقى من أموال المودعين أم لديه عملات صعبة خارج الإحتياطي الإلزامي؟
الفضيحة المدوّية وردت على لسان وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني في حديث لقناة “الحرة”، قال فيه ما مفاده إنّ المنصّة ستضبط الدولار بحدود الـ 10 الآف ليرة، هذا الكلام يعني عمليًّا أنّ دولار المنصّة هو 10 الآف ليرة، فهل سينفقون أموال المودعين لتهدئة الدولار عند هذا الحدّ المرتفع؟ أكثر من ذلك اعترف وزني بأنّ التدخل سيكون من أموال المودعين المتبقّية في الإحتياطي الإلزامي، وإن حاول التخفيف من وقع هذا التصريح بالقول إنّ “مصرف لبنان سيسعى لأن تكون كلفة المنصّة من الإحتياطي الإلزامي محدودة”.
القرار لم يتخذه وزني، وإنّما أًعلن عنه من بعبدا بعد اجتماع ضمّ سلامة ومستشار رئيس الجمهورية للشؤون المالية شربل قرداحي. وفق قراءة الخبير في الشؤون السياسية والإقتصادية الدكتور بلال علامة، “قد يكون وزني أراد من كلامه أن يوضح للرأي العام ما هو المأمول من المنصّة وما هي حدود جدواها، كي لا يُحمّل مسؤوليّة قرار لم يتخذه. “كما أنّ الحاكم كان بصدد مناقشة المنصّة وآلية عملها مع المجلس المركزي، لكنّهم تجاهلوا ذلك وأعلنوا عن المنصّة فأحرجوه، ما يدل على أنّ التعاطي مع الحاكم يتجاوز الأصول الإدارية والرسمية والقانونية والدستورية، بحيث يتم التعامل معه على قاعدة هذا ما يجب عليك فعله”.
هل يملك المركزي دولارات خارج الإحتياطي ليضبط إيقاع دولار المنصّة؟
علامة في حديثه لـ “لبنان 24” أوضح أن لا إمكانية لتدخل مصرف لبنان في السوق إلّا من خلال ما تبقى من أموال المودعين المعروف بالإحتياطي الإلزامي، “بدليل عندما أجرى الرئيس نبيه بري إتصالًا بسلامة لسؤاله عن الدولارات التي بحوزته، بمناسبة الجلسة النيابية المخصّصة لمناقشة سلفة الكهرباء أجابه صفر دولارات، ولا أعتقد أنه يستطيع أن يعطي معلومة خاطئة بهذا الإطار”.
الضغط السياسي الذي يُمارس لأجل استخدام أموال الإحتياطي ليس جديدًا ” لقد ظهر جليا منذ شهر ونصف أنّ السلطة التي بيدها الحل والربط، أي رئيس الجمهورية وحكومة دياب، ليس لديهم مانع من استعمال أموال الإحتياط للاستمرار بالدعم بكلّ مندرجاته والتنصّل من ترشيد الدعم، وعندما رفض الحاكم دفع العملات الأجنبية لمتعهّدي الكهرباء وشركات الصيانة، وطرح التفاوض معهم للدفع بالليرة، صدر قرار وزاري ألزم المركزي دفع ما يقارب 500 مليون دولار، في حينه ضغطوا لإستخدام أموال الإحتياطي، وهذا ما يفعلونه اليوم بالطلب إلى المركزي التدخل للجم انهيار العملة”.
عن قيمة الإحتياطي في مصرف لبنان يلفت علامة إلى أنّ المعلومات الواردة من المركزي ومن بعض أعضاء المجلس المركزي، تؤكّد أن قيمة الإحتياطي تقدر بـ 16.2 مليار دولار، وبالتالي يمكن استخدام حوالي مليار ونصف من خارج الإحتياطي، بعدما تبين من خلال إعادة تقييم الموجودات أنّ الودائع انخفضت، واحتياط هذه الودائع هو 15 مليار”
عمليّا المنصّة تحوّل المصارف إلى صرّافين، فتوسّع نطاق السوق الموازية، وخطورة المنصّة وفق علامة “ليس تشريع السوق الموازية، بقدر ما تشكّل بدايةً لتحرير سعر الصرف، من خلال التعاطي مع السوق الموازية على أنّها السوق الحقيقية، مع محاولة لجم السعر. خصوصًا أنّ مشهد الأسبوع الماضي كان مرعبًا، عندما قفز الدولار متجاوزًا عتبة الـ 15 ألف ليرة. بالتالي أرادوا من خلال الضغط على حاكم مصرف لبنان أن يتدخّل لضخ دولارات ولو من أموال الإحتياطي، كي يهدّىء السوق في حال تكررت الظروف السياسية التي تؤدي إلى انهيار جديد لليرة، تهدئة السوق تعني منع قفز الدولار فوق الـ 11 ألف ليرة، وكأنّه مقبول بالنسبة إليهم وصوله لحدود 11 ألف”.
ليس من الحاكم وحده يريدون تغطية مالية لمرحلة تأزم عمليّة التأليف، في السياق يلفت علامة “عندما بدأت مظاهر الفوضى على أثر قفزة الدولار الأسبوع الماضي، كان هناك ضغط على قائد الجيش، كما تمّ توجيه رسائل أمنية بوجوب فتح الطرقات وإلّا، ولو استمرت حال الفوضى لكانت تداعياتها سيئة عليهم، لكنّهم ضبطوها، وأعتقد أنّهم أخطأوا بتوقيت الإعلان عن المنصّة وإطلاقها بالتزامن مع التأزم الحكومي”.
هل يمكن للحاكم أن يرفض المسّ بالإحتياطي؟
يلفت علامة إلى إطار قانوني يحكم علاقة المركزي بالسلطة بموجب قانون النقد والتسليف، وفق مندرجاته يقوم بوظائف مالية، يمدّ الدولة بالسيولة كما “أنّه مستشار الحكومة المالي كون جميع الإمكانيات المتوفرة لديه هي في خدمة السلطة التنفيذية، بالتالي يمكن للحاكم أن ينبّه إلى خطورة توجّه ما، ولكنّه لا يستطيع رفض قرار يُتخذ من قبل أهل السلطة، ويُغلّف بشرعية من خلال توقيع رئيس الوزراء والوزراء المعنيين. من ناحية ثانية هناك رسائل وصلت للحاكم تحمل طابعًا أمنيًّا، كما أنّهم يعتقدون أنّ زيارته السرّية لفرنسا لأجل تسليم ملفات تتعلّق بالطبقة السياسية”.
إذن هي عملية شراء للوقت بكلفة السطو على ما تبقى من جنى عمر اللبنانيين في مصرف لبنان، لأجل ماذا سندفع هذه الكلفة؟ لأجل مواصلة حفلات المناورات السياسية؟