هكذا حال سلع أخرى، تقفز أسعارها وتتفاوت بين سوبر ماركت وأخرى من دون حسيب أو رقيب، بعضها وصل إلى مستوى خيالي، عبوة النسكافيه الغولد بحجمها الكبير مثلًا، وصلت إلى 140 ألف ليرة، أمّا الصنف المدعوم منها من ماركة أخرى فلا يتجاوز سعره العشرين ألفًا، لكنّه مفقود وربما مخزّن في المستودعات. ربطة الخبز بدورها ارتفع سعرها للمرة الثالثة منذ حزيران الماضي، بقرار من وزارة الإقتصاد التي عزت هذه الزيادة إلى “عدم تشكيل الحكومة ما أدّى إلى انخفاض كبير في قيمة الليرة اللبنانية مقابل ارتفاع سعر صرف الدولار، وبالتالي أدّى إلى ارتفاع في أسعار المواد الأولية التي تدخل في انتاج ربطة الخبز”.
شح الدولار وارتفاع سعره في السوق الموازية هو السبب الرئيسي لغلاء الأسعار، خصوصًا أنّ المستوردين يعمدون إلى تأمين العملة الصعبة من السوق الموازية لاستيراد البضائع، لكن جشع التجار يبرز بألعن صوره، يستغل هؤلاء غياب الرقابة وتقلّب بورصة الدولار هبوطًا وصعودًا، ويسارعون إلى رفع الأسعار مع كلّ قفزة في سعر الصرف، ولكن عندما يهبط سعر الصرف لا يخفضون الأسعار، فيحققون أرباحًا غير مشروعة على حساب المستهلكين لاسيّما الفقراء منهم، وما أكثرهم.
قبل أسبوع وعلى أثر التأزّم الحكومي، قفز سعر صرف الدولار متجاوزًا عتبة الـ 15 ألفًا، على الفور عمدت المحلّات التجارية إلى تعديل أسعارها، وكونها لم تعد قادرة أن تلحق الدولار بتحليقه، أقفل بعضها أبوابه والبعض الآخر لجأ إلى التسعير على الصندوق.
في هذا السياق لفت الخبير الإقتصادي انطوان سعادة في حديث لـ “لبنان 24″ إلى أنّ عملية التسعير وفق دولار الـ 15 ألفًا استندت إلى ارتفاع وهمي ” بمعنى أنّ الدولار ارتفع خلال يومي السبت والأحد، في حينه لم يعمد كبار التجار إلى فتح اعتماد في عطلة نهاية الأسبوع بطبيعة الحال، وبالتالي لم يشتروا بضائعهم على سعر الـ 15، بل استغلّوا خبرية دولار الـ 15 ألفًا ورفعوا أسعار كلّ السلع، علمًا أنّ السعر عاد وهبط ما بين 4 و5 الآف ليرة، بحيث وصل الإثنين إلى حدود الـ 10 الآف، ولم يتجاوز سقف الـ 11 ألفًا طيلة الأسبوع الماضي، وبعبارة مبسّطة رفعوا الأسعار “على الريحة”، وعندما هبط السعر فعليًّا بقيت السلع مسعّرة على دولار الـ 15 ألفًا، أمّا وزارة الإقتصاد فغائبة عن السمع ولا تمارس دورها في لجم الأسعار وضبطها”.
أضاف سعادة “يظهر التجار جشعًا كبيرًا، يستغل هؤلاء بورصة الدولار في صعودها فيرفعوا الأسعار، وعندما يهبط سعر الصرف لا يعمدون إلى خفض الأسعار. في السابق كنّا نعذرهم ونعتبر أنّهم يسعون للحفاظ على رأسمالهم، لكن هذه المرة الوضع كان مختلفًا، ولا مبرر لرفع أسعارهم”.
أمر آخر يكشف كيف أنّ هؤلاء التجار كانوا يحققون أرباحًا غير مشروعة يقول سعادة “بدليل أنّ المنتج الذي كنّا نشتريه ب 15 $ قبل الأزمة، أصبح اليوم يباع بـ 5 $، علمًا أنّه منتج مستورد، الأمر الذي يشير إلى أنّ أرباحهم كانت مرتفعة جدًا، وما زالوا يربحون اليوم بحدود 30 إلى 40%”.
أمام فلتان الأسعار وتفاوتها بين مكان وآخر، لم يجد وزير الإقتصاد راوول نعمة أنّ هناك شيئًا يجب أن يفعله أفضل من تغريدته العظيمة ” للأسف نجحت منظومة الفساد وما وراءها من جيوش إلكترونية وإعلام متآمر بإقناع الناس أنّ غلاء الأسعار مشكلة رقابة وليست مشكلة انهيار الليرة نتيجة الفساد”. هكذا تنصّل الوزير من مسؤوليته، ولو أنه اعترف بمخالفات واحتكار للبضائع، لا عجب فالوزير أتحفنا بسلّته المدعومة التي لم يصل منها للمواطن سوى 20%.
التضخم الكبير في أسعار المواد الغذائية يهدّد الأمن الغذائي للغالبية العظمى من اللبنانيين، وفي السياق يبرز تقرير منظمة الفاو وبرنامج الأغذية العالمية الذي أشار إلى اتجاه لبنان نحو مزيد من الفقر والجوع. هذه حال العباد قبل رفع الدعم، فكيف سيكون عليه القادم من الأيام والأشهر بعد رفع الدعم، بظل انعدام الحسّ بالمسؤولية لدى أهل الساسة، بدءًا برئيس البلاد مرورًا بالحكومة المستقيلة العاجزة عن تصريف الأعمال، وصولًا إلى معرقلي تأليف الحكومة؟ هل وصل إلى مسامع هؤلاء أنّ الناس تتناحر فيما بينها على أكياس الأرز والزيت والسكر والحليب المدعوم؟