رفع سعر الصرف في السوق الموازية مخطط له بعناية وفق ما يؤكد المشاركون من الفريق الحكومي في اجتماعات صندوق النقد الدولي. وقد سبق لرئيس وفد الصندوق تحذير حاكم المصرف المركزي من مغبة هذه العملية وانعكاساتها الخطيرة على الفقر وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين. إنما مع الأسف فانه “لا حياة لمن تنادي”، يقول الخبير الإقتصادي د. وليد أبو سليمان. “فبدلاً من السير بخطة الحكومة التي أقرت بتأييد من صندوق النقد الدولي تحرير تدريجي لسعر الصرف Crawling peg بنسبة 5 في المئة سنوياً ليصل بعد 5 سنوات إلى حدود 4500 ليرة جرى تطيير الخطة والمفاوضات، وفرض ضريبة جارية على كل اللبنانيين تتمثل بالتضخم المفرط. وهذا ما يزيد الشك بان الذي يجري مخطط له وهو ينفذ عن سابق إصرار وتصميم”.
وإذا استعرضنا أسعار الصرف الموجودة نرى انه لا يزال هناك 3 أسعار أساسية بحسب أبو سليمان: سعر 1500 ليرة تستفيد منه كارتلات الإستيراد في المحروقات القمح والأدوية. وهناك سعر 3900 ليرة لا يستفيد منه فعلياً إلا المصارف والمصرف المركزي. وهناك سعر السوق الموازي الذي يحمّل كل المودعين هيركات مقنعاً بحوالى 80 في المئة، والمواطنين تضخماً هائلاً وفقدان الليرة لقيمتها الشرائية. وبحسب أبو سليمان فان “الإستمرار في هذه الخطة الممنهجة القائمة على طباعة العملة والتضخم يقوض يوماً بعد آخر إحتمالات الخروج من الأزمة بأقل أضرار ممكنة. فلبنان استنزف خلال عام حوالى 16 مليار دولار من الإحتياطي، ذهب مناصفة بين الإستهلاك والتهريب وإخراج الأموال من دون أن يكون له أي فائدة استثمارية تعيد تحريك الإقتصاد. ولسخرية القدر فان هذا الرقم المفرّط به، يبلغ ضعف الحد الأقصى الذي يمكن للبنان طلبه من صندوق النقد الدولي كقرض استثنائي، (بناء على حصته في الصندوق المقدرة بـ 800 مليون دولار) مقسط على مدى عدة سنوات.
عدا عن أنه لا يوجد بصيص أمل في آخر هذا النفق المظلم الذي أُدخل فيه البلد عنوة، فان المسار مفتوح برأي أبو سليمان على العديد من السيناريوات السيئة التي “تبدأ بالفقر والجوع ولا تنتهي بالخضات الأمنية”.
في النتيجة أدت المعالجة المشوهة أو الأصح “اللامعالجة”، للأزمة الإقتصادية وعدم سير الدولة بالخطة إلى تحميل المودعين والمواطنين الكلفة الأعلى للأزمة. أمّا الطبقة السياسية ومن ترعاهم، وصولاً إلى مصرف لبنان والمصارف التجارية، فقد خرجوا بالتدرج كالشعرة من العجين، ونأوا بأنفسهم، لغاية اليوم، عن تحمل أي مسؤولية تذكر.