اللبنانيون يستعدون لرمضان قاس.. ‘صحن الفتوش أول الغيث’

7 أبريل 2021آخر تحديث :
اللبنانيون يستعدون لرمضان قاس.. ‘صحن الفتوش أول الغيث’

تحت عنوان: “اللبنانيون يستعدون لرمضان قاس.. “صحن الفتوش أول الغيث”، كتب حسين طليس في “الحرة” يقول:

25 ألف ليرة على الأقل، هي تكلفة شراء مكونات طبق “الفتوش” التقليدي، بحسب يوسف، بائع خضار في العاصمة اللبنانية بيروت.

هذا السعر يعادل نحو 16 دولارًا  وفق أسعار الصرف الرسمية (1507 ليرة للدولار)، والذي لا يزال عدد كبير من اللبنانيين يتقاضون رواتبهم على أساسه، فيما يناهز سعر الصرف الرسمي اليوم الـ 12 ألف ليرة للدولار.

هذه تكلفة طبق يومي على مائدة إفطار اللبنانيين، كان يسمى سابقا بطبق الفقراء، فيما أصبح اليوم مؤشرا معتمدا على الكلفة المعيشية للبنانيين وأسعار سلعهم الرئيسية في شهر رمضان.

“مؤشر الفتوش”

“مؤشر الفتوش” معيار قيمي تصدره وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية في شهر رمضان من كل عام منذ 2012.

يتضمن المؤشر أسعار 14 مادة تكوّن سلطة الفتوش مع التثقيل المناسب لكل نوع، وهي الطماطم، الخيار، الفجل، الخس، البقلة، الحامض، البصل، الثوم، النعنع، البقدونس، الملح، السماق، زيت الزيتون والخبز.

ويشير “مؤشر الفتوش” إلى ارتفاع بلغ بحسب الأسعار نهاية شهر مارس الماضي، 210 في المئة وفق ما أكده تقرير أعده مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت.

ويلقي التقرير نظرة على تطور “مؤشر الفتوش” منذ 2012 وفي محاكاة لما ستكون كلفته في رمضان هذا العام بناء على أسعار المكونات في أواخر شهر آذار.

ويقدر التقرير كلفة صنع الفتوش لعائلة صغيرة مؤلفة من خمسة أشخاص عند بداية شهر رمضان هذا العام حوالي 18500 ليرة مقارنة مع 6000 ليرة في الـ 2020 وحوالي 4500 ليرة في الـ 2019.

لكن هذه الأرقام بحسب أسعار الخضار نهاية شهر مارس، أما في شهر رمضان فالأسعار مرشحة للارتفاع.

أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت، ناصر ياسين، قال إن “هذه الأسعار على الأرجح سترتفع ومن المؤكد أنها لن تنخفض في ظل الطلب الكبير على الخضار في رمضان كذلك بالنسبة إلى معظم المواد الغذائية”

ويلفت ياسين الذي يشرف كذلك على “مرصد الأزمة” وهو مبادرة بحثية تهدف إلى دراسة تداعيات الأزمات المتعددة في لبنان وكيفية مقاربتها إلى أن “المرصد بصدد إعداد “مؤشر إفطار رمضان” لرصد عدد من السلع والمكونات الأساسية لمائدة الإفطار.

وفي اتصال مع موقع “الحرة” قال إن المرصد يريد من خلال إصدار المؤشر، كشف حجم الأزمة والمساهمة في ضبط الأسعار، إضافة إلى تنظيم وصول الدعم الحكومي للمواطنين خلال شهر رمضان الذي “سيكون قاسياً عليهم هذا العام وسيتطلب المساعدة والتعاون إلى حين إيجاد مخرج للأزمة”.

طبق بكلفة راتب شهري
“مؤشر الفتوش” يعكس، بحسب ياسين، حجم الأزمة المعيشية والاقتصادية وعمق تأثيرها على الناس في لبنان، حيث يظهر هذا العام أن “كلفة الفتوش فقط لعائلة مؤلفة من خمسة أفراد ستبلغ ما يقارب الـ 555 ألف ليرة خلال شهر كامل، أي ما يوازي 82 في المئة من قيمة الحد الأدنى للأجور في لبنان.

وهذا الارتفاع الكبير، سيصاحب بحسب التقرير تضخما في أسعار السلع الأخرى التي عادة ما يستخدمها الصائمون في موائدهم الرمضانية “مما يعني أن أكثرية العائلات في لبنان ستعاني من تأمين السلع والمكونات الأساسية لموائدها خلال رمضان القادم”.

وهذا الارتفاع الكبير في الأسعار سيدفع العائلات كذلك، نحو التكيف السلبي مع هذا التضخم.

وحسب ما يؤكد ياسين، فآليات تكيّف المواطنين ستكون بعدة اتجاهات، هناك الاتجاه الأول الذي سيقلل من استهلاك الفتوش، أو الخضار عموما أو تحديد الكميات، إضافة إلى تخلي بعض أفراد الأسرة عن حصتهم من هذه الوجبات لصالح الأصغر سناً، وهذا الأمر ملاحظ أكثر وسط مجتمعات اللاجئين.

أما الاتجاه الثاني، يضيف ياسين، والذي يسلكه أكثر المواطنين فهو التحول في نوعية الأطعمة والغذاء نحو الأرخص.

فعدم القدرة على شراء الأطعمة التي تحتوي على بروتينات كاللحوم والحبوب، وبعض الخضار والفاكهة، سيدفع الناس للتحول نحو الوجبات التي تحتوي أكثر على النشويات التي تغطي حاجتهم من السعرات الحرارية، خاصة فقراء المدن الذين لا يستفيدون مما يؤمنه الريف من إمكانية الزراعة للاستهلاك الذاتي.

ما سبب هذا الارتفاع؟
يوسف، وهو بائع للخضار يرفض أن يتحمل البائعون مسؤولية ارتفاع الأسعار، ويؤكد أنه مثا يستلم سلعته من “الحسبة” (سوق الخضار) بأسعار مرتفعة، لا يضع عليها زيادة إلا ما تفرضه تكاليف النقل والعمال وهامش الربح المقبول.

يقول يوسف: “نحن على تماس مع الزبون ونتحمل كل الكلام والاتهامات وكأننا مسؤولون عن كل هذا الغلاء في البلاد” ثم يتساءل “علينا أن نضحي لوحدنا؟”

من جانبه، يشرح ياسين أن “هذا الغلاء في أسعار الخضار يأتي من اتجاهين، الاتجاه الأول هو ارتفاع تكاليف الزراعة والمعدات والأدوية واليد العاملة والتوزيع وكافة تكاليف الإنتاج.

والاتجاه الثاني يأتي من ارتفاع تكاليف المعيشة على المزارع نفسه ومن بعده التاجر والبائع ما يدفعهم إلى رفع نسبة أرباحهم ليلبوا تكاليف معيشتهم ويقول: “هذا كله والدعم لم يرفع بعد، سيكون الوضع أسوأ بكثير حينها.”

وإضافة إلى أسعار الخضار، يقول ياسين إن “جزءا أساسيا من الارتفاع الكبير لمؤشر الفتوش هو ارتفاع تكلفة زيت الزيتون كما كل الزيوت في لبنان.” في حين أن ربطة الخبز التي تدخل أيضا ضمن مكونات الفتوش قد تضاعف سعرها.

ومن المتوقع أن تصدر وزارة الاقتصاد اللبنانية تقريرها الرسمي حول “مؤشر الفتوش” مع بداية شهر رمضان، بينما يخشى اللبنانيون أن يحمل إليهم مزيدا من الغلاء بسبب استغلال التجار لموسم صيام المسلمين على غرار ما جرى في الفترة الماضية التي شهدت موسم صيام المسيحيين، حيث تضاعفت أسعار الخضروات بسبب زيادة الطلب عليها من الصائمين الذين يتوقفون عن تناول اللحوم، بحسب ما يؤكد يوسف.

“هذا ما نحاول تفاديه عبر الضجة التي نثيرها بشأن مؤشر الفتوش”، يقول ياسين “نريد من خلالها لفت نظر التجار إلى عدم رفع الأسعار وتنبيههم إلى أننا نراقبهم في هذه المرحلة الصعبة على المواطنين، سنراقب الأسعار في بداية شهر رمضان يومياً ثم أسبوعيا وسننشر الأسعار لمكافحة غلاء الأسعار.”

الفقراء يفتقدون طبقهم التاريخي
ومن المعروف أن طبق الفتوش منتشر في الأوساط الفقيرة في لبنان، وارتبط ارتباطاً وثيقاً بالصيام، حيث بدأ من مدينة زحلة في البقاع، وتحديداً عام 1862، حين لجأ عدد من الصائمين المسيحيين إلى دارة آل فتوش في المدينة بعد أن هربوا من الحرب الدائرة في مناطق كسروان في جبل لبنان.

في زحلة، قدم لهم آل فتوش بحسب الروايات المتواترة، أطباق من السلطة الموسمية ومعها الخبز، حينها بدأ الصائمون، وبسبب الجوع الذي كانوا يعانون منه، بتغميس الخبز بالسلطة وتفتيته في الأطباق قبل الأكل، وكان البطريرك غريغوريوس يوسف حاضراً حينها فأعجبته الفكرة وأوصى بها للصائمين ومنح الطبق اسمه نسبة لآل فتوش حيث أكلت في دارتهم لأول مرة.

ومن الصائمين المسيحيين، انتقل الطبق ليحجز لنفسه مكانا دائما على مائدة الإفطار الرمضاني للصائمين المسلمين في لبنان، وذلك نظرا لما يحتويه من فوائد صحية ومغذية للصائم، إضافة إلى كونه سهل التحضير و”بسيط التكاليف”.

أما الآن فتقول سيدة سبعينية لموقع “الحرة” على مدخل محل لبيع الخضرة في بيروت: “أنا محرومة من الفتوش، أحب هذا الطبق ولكني محرومة منه بسبب تكلفته، محرومة أيضاً من التبولة وسلطة التونة، كل هذا الطعام كان خاصا بالفقراء، واليوم لم يعد بمقدورنا الحصول عليه”.

 

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.

المصدر الحرة