استطاعت المدعية العام الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، على مدى الأيام الأربعة الفائتة، أن تُحوّل مهمّة السلطة القضائية من الفصل في النزاعات بين الناس، إلى سلطة تأكلها النزاعات وتعجز عن فصل الخلافات بين مكوّنات جسمها الذي تصارعه السياسة.
فبعد العراضة والعراضة المضادّة اللتين شهدهما محيط قصر العدل منذ ساعات الصباح الأولى أمس، يُتوقع أن يُستعاد المشهد نفسه اليوم أيضاً، وذلك لأنّ مجلس القضاء الأعلى استدعى القاضية عون.
وهي لا تزال حتّى اللحظة تلقى دعماً عونياً ما عاد خافياً أو خجولاً، وهو يتلطّى خلف شعارات “استعادة الأموال المنهوبة والمحوّلة”، بعد مشاركة “التيار الوطني الحرّ” جهاراً بتظاهرة الدفاع عنها، ثم انسحابهم بأمر سياسي كشفته عدسات الكاميرات.
بدأ المشهد، صباح أمس، باحتشاد مناصرين للقاضية من “التيار” في ساحة 7 آب عند دوّار قصر العدل، دعماً لها، وتزامناً مع اجتماع مجلس القضاء الأعلى، فيما تجمّع أمام مدخل قصر العدل الخلفي آخرون، جاؤوا لتأييد القاضي غسان عويدات، وضمّوا مناصرين من كلّ الجهات التي ضاقت ذرعاً بسلوك عون ومن يغطّيها، فكان الشارع المقابل لمبنى مديرية الأمن العام اللبناني القديم منطقة فاصلة بين الطرفين، معيداً إلى ذاكرة اللبنانيين خطوط التماس أثناء الحرب الأهلية في تلك المنطقة.
استمرّ هذا المشهد لساعات عدة، قبل أنّ تأتي “الأوامر العونية” بالانسحاب، والتي سُمعت عن طريق الخطأ في حديث جانبي بين المحامي وديع عقل وأحد المناصرين الذي اقترب منه ليوشوشه مباشرة على الهواء، قائلاً: “وصلت الأوامر بالانسحاب”.
فبدأ الناس بالانسحاب التدريجي، وفُضّت التجمّعات وأعادت القوى الأمنية فتح الطرقات بعد الظهر.
https://twitter.com/HichamHaddad57/status/1384105630856716298?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E1384105630856716298%7Ctwgr%5E%7Ctwcon%5Es1_&ref_url=https%3A%2F%2Fwww.asasmedia.com%2Fnews%2F388721
عقب ذلك، خلص اجتماع مجلس القضاء الأعلى، الذي أبقى جلساته مفتوحة، إلى دعوة غادة عون لحضور جلسة عند الساعة العاشرة من صباح اليوم، تكون مخصّصة للبحث في تطوّرات قضية شراء الدولارات وشحنها إلى الخارج.
هي التي اتّهمت شركة مكتّف للصيرفة بنقل أموال إلى الخارج، وتطالب مديرها ميشال مكتّف بتقديم المستندات التي تؤكّد ذلك.
بعد العراضة والعراضة المضادّة اللتين شهدهما محيط قصر العدل منذ ساعات الصباح الأولى أمس، يُتوقع أن يُستعاد المشهد نفسه اليوم أيضاً، وذلك لأنّ مجلس القضاء الأعلى استدعى القاضية عون
عون استطاعت بعد “غزوة” يوم السبت الفائت الحصول على أجهزة كمبيوتر وبعض المستندات التي شكّ البعض في أن تكون ذات قيمة أو أهمية.
أمّا النائب العام لدى محكمة التمييز غسان عويدات فطلب من النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم إجراء تعقّبات بشأن “وجود شبهة” حول مخالفة شركة مكتّف لشحن الأموال، فيكون الملف قد خرج فعلياً من يد القاضية عون، والمطروح بعد ذلك سيتعلّق بمصيرها هي.
محامي مكتّف: ترحيب بالقاضي المالي
أبدى وكيل شركة مكتّف المحامي ألكسندر نجار، في اتصال مع “أساس”، ترحيب الشركة بإحالة الملف إلى النيابة العامة المالية، معتبراً أنّ “هذا هو المرجع الطبيعي لهذا النوع من الملفات، فالشركة لا تخاف من شيء أبداً”، مفضّلاً عدم استباق التحقيق وترقّب ما ستؤول إليه الأمور لدى القضاء المالي.
عون استطاعت بعد “غزوة” يوم السبت الفائت الحصول على أجهزة كمبيوتر وبعض المستندات التي شكّ البعض في أن تكون ذات قيمة أو أهمية
وكشف نجار أنّ “القاضية غادة عون سبق أن أسرّت في واحدة من الجلسات أنّها تعرف جيداً أنّ شركة مكتف لا شبهات عليها، بصفتها شركة شحن أموال”.
لكن يبدو أنّ عون تحاول الضغط على الشركة وعلى مالكها من أجل دفعهما إلى البوح بما يملكونه من معلومات حول التحويلات التي تجريها المصارف إلى الخارج.
وفي هذا الصدد، أكّد المحامي نجار أنّ “ثمة جهات رسمية يمكن لعون اللجوء إليها من أجل الحصول على تفاصيل أكبر وأشمل حول ما تريده، ومنها هيئة التحقيق الخاصة، ولا حاجة لها لملاحقة شركة مكتف بهذه الطريقة”.
وفي ختام حديثه لـ”أساس” قال إنّ موكّليه هم “طرف ثالث مهمته نقل الأموال.
لا يقرّر حجم هذه الأموال ولا وجهتها”، مشبّهاً الأمر بخدمة “تاكسي” وهي “لا تتدخّل في عدد الركاب أو حجم الأغراض التي ينقلها ولا وجهتها”، داعياً الرأي العام إلى “توخّي الدقّة وعدم الاتّهام جزافاً، لأنّ البعض يخلطون بين هذه الأمور، خصوصاً أنّ ثمة مغرضين يستخدمون تهماً سخيفة وغير صحيحة، مثل اعتبار شركة مكتّف “صندوقاً أسود” يحمل الأسرار، وغير ذلك من تهم مشابهة”.
مسلسل غادة عون مستمرّ.
هل تكون اليوم الحلقة الأخيرة؟ أم يجري التمديد لأسباب سياسية؟