القرار السعودي: شحّ بالدولار.. وخطر على الزراعة

27 أبريل 2021
القرار السعودي: شحّ بالدولار.. وخطر على الزراعة
علي نور

في وقت يجاهد لبنان للحصول على أيّ فلس بالعملة الصعبة، وسط أزمة شحّ الدولار غير المسبوقة في تاريخه، حلّت علينا أزمة منع تصدير الخضر والفاكهة إلى المملكة العربيّة السعوديّة، لتضيف أسباباً جديدة إلى أزمة البلاد النقديّة الخانقة.

المسألة هنا لا ترتبط حصراً بحجم الدولارات الناتجة عن عمليات التصدير إلى المملكة، بل بطبيعة السلع المشمولة بالقرار، أي المنتوجات الزراعيّة التي ينحصر تسويقها في مواسم معيّنة ويصعب تخزينها لفترات زمنيّة طويلة. ما سيؤدّي حكماً إلى كساد محصولها بسبب فقدان أسواقها التقليديّة.

أرقام جمعيّة المزارعين اللبنانيّين تشير إلى أنّ حجم صادرات لبنان من الخضر والفاكهة يبلغ نحو 312 ألف طن سنويّاً، أي ما تبلغ قيمته 145 مليون دولار أميركي.

16% من هذه الصادرات تذهب تقليديّاً إلى المملكة العربيّة السعوديّة، أي ما يعادل 50 ألف طن تقريباً، في حين أنّ قيمة هذه الصادرات تبلغ نحو 24 مليون دولار في السنة.

الأرقام تشير أيضاً إلى أنّ 13% من هذا المحصول يذهب إلى أسواق البحرين والإمارات العربيّة المتّحدة وقطر، من خلال العبور بالأراضي السعوديّة، وهي صادرات تضرّرت بسبب القرار السعودي الأخير.

فتكون قيمة الصادرات، التي كان يفترض أن تمرّ بالسعودية للوصول إلى هذه الأسواق، نحو 19 مليون دولار، بحجم يقارب 40 طنّاً.

في النتيجة، تكون القيمة الإجماليّة للخضر والفاكهة، التي ستخسر أسواق تصريفها اليوم، نحو 43 مليون دولار، بحجم إجمالي يبلغ 90 ألف طن، وهي خسائر ناتجة عن حرمان السلع من الدخول إلى المملكة العربية السعوديّة أو من عبور أراضيها إلى دول الخليج الأخرى.

ولا تشمل كل هذه الأرقام الكويت، التي سمحت باستمرار شحن الخضر والفاكهة اللبنانيّة من خلالها برّاً وجوّاً من دون عوائق، مع تشدّد إضافي في عمليات التفتيش.

المشكلة الأساسيّة هنا لا ترتبط فقط بخسارة السوق.

فالسلع الزراعيّة غالباً ما تُباع قبل الموسم بموجب عقود بيع مسبق، ليضمن المصدّر تسويق إنتاجه في الخارج قبل حلول الموسم.

خصوصاً أنّ هذه السلع لا تحتمل التخزين فترات طويلة.

ولذلك من المتوقّع أن يؤدّي القرار السعودي إلى إبطال عقود البيع المسبقة هذه، فيفقد المُصَدِّر قدرته على تسويق سلعه خلال المواسم المقبلة.

أمّا الأهمّ فهو صعوبة تسويق هذه السلع في أسواق بديلة بسرعة، خصوصاً أنّ تجّار الجملة في الخارج ربطوا أنفسهم منذ بداية السنة بعقود بيع مسبقة مع مصدّرين آخرين.

أمّا الحلّ فيكون ببيع السلع الزراعيّة بحسومات كبيرة في الأسعار، فيتكبّد المصدّرون اللبنانيون خسائر ضخمة، أو بتحمّل نتائج كساد هذه السلع التي ستكون خسارتها كبيرة.

ما يُقال عن إمكانية بيع هذه السلع محليّاً، هو مسألة غير واقعيّة، خصوصاً أنّ السلع الزراعيّة، التي تُصدَّر في العادة، هي غالباً ما تكون من الأصناف التي تفيض عن حاجة السوق المحلّي.

أمّا أن يسبّب القرار السعودي انخفاض أسعار هذه السلع محليّاً، فقد يصحّ الأمر إذا أراد التجّار اللبنانيون المضاربة للتخلّص من المنتوجات في السوق المحليّة، لكن ذلك سيكون من نتائجه تكبيد المزارعين اللبنانيين خسائر إضافية وكبيرة.

ستكون النتيجة النهائيّة لهذه التطورات مزدوجة، فهي ستسبّب أوّلاً بحرمان السوق المحليّة من أحد مصادر العملة الصعبة التي لها دور كبير في لجم ارتفاع سعر صرف العملة المحليّة.

ومن ناحية أخرى، سيُمنى المزارعون بخسائر كبيرة ولن يتمكّنوا من تصريف إنتاجهم هذا الموسم.

وتكبّد المزارع هذه الخسارة، اليوم، سيؤدّي إلى فقدانه الرأسمال الضروري لتمويل الإنتاج في المواسم المقبلة… ما يعني أنّ الزراعة اللبنانية كلّها في خطر.

المصدر أساس