نتيجة يعرفها نور نصار جيداً. بعد غياب لسنوات، عاد الشاب العشريني الى بلدته في السويداء. 5 سنوات أمضاها في لبنان بحثاً عن «حياة جديدة». سنوات أشبعت ذاكرة طالب هندسة الاتصالات بالذكريات والتجارب.
مطلع عام 2016، قرّر نور تجميد دراسته الجامعية. حزم حقائبه ومضى الى وجهته الجديدة. في شارع الحمرا كانت البداية في مدينة غريبة. «كان الوضع صعباً للغاية». انتابته حالة نفسية سيئة انتفت معها لديه أي رغبة في العمل أو الإندماج في المجتمع المضيف. استمر على هذه الحال شهرين كاملين، إلى أن قرر «التحرك». فالظروف المعيشية في لبنان لا تحتمل التلكؤ أو الكسل.
كل شيء سار بشكل طبيعي. عمله في أحد مطاعم الجميزة، شرق بيروت، أمّن له نوعاً من الاستقرار المادي، وأفسح له المجال لاكتساب «خبرات جديدة»، يقول إنها كانت وسيلته الوحيدة للاستمرار.
مساء الرابع من آب 2020 كان توقيتاً فارقاً في حياة سكان بيروت ومن بينهم نور. انفجار ضخم هزّ مرفأ العاصمة والمدينة كلها، مخلّفاً كارثة غير مسبوقة. أمتارٌ قليلة تفصل مكان عمل نور عن موقع الانفجار، ووحدها العناية الإلهية أنقذته… إلا من بتر في أصابع اليد اليمنى وعطل دائم في القدم.
نجح العلاج الفيزيائي في تخفيف الأضرار بدرجة كبيرة، إلا أن ما حصل دفع نور الى التفكير جدياً في تغيير مسار حياته. خسارة العمل والوضع المعيشي الصعب الناجم عن انهيار الاقتصاد اللبناني تركاه أمام خيارين لا ثالث لهما: البقاء – وهو أمر شبه مستحيل في ظروفه – أو العودة إلى سوريا. جمع «تحويشة العمر»، وزاد عليها بعضاً من مدّخرات العائلة لدفع بدل خدمة العلم (7000 دولار)، وعاد إلى السويداء حيث أسّس عملاً جديداً يأمل أن يعوضه عن سنين الغربة.
مبلغٌ يعجز أحمد عن تأمينه رغم أنه سبيله الوحيد للعودة إلى الرقة (شمال شرق سوريا).
«منشتغل يوم ومنقعد عشرة»، يقول أحمد الذي انتقل للعمل في «الفعالة» التي بالكاد تكفي لسد رمق عائلته. ارتفاع الأسعار وتدني قيمة الدخل جعلا من مهمة النهوض بأعباء العائلة أمراً صعباً، خصوصاً أن «اليومية» لا تتجاوز في أغلب الأحيان 50 ألف ليرة، أي أربعة دولارات، وهو رقم لا يساوي ثلث ما كان يتقاضاه العمال السوريون سابقاً، ولا يكفي لشراء عبوة زيت.
هذه نماذج عن واقع العمال السوريين في لبنان، خصوصاً في ظل الأزمة الآخذة في التفاقم. هؤلاء عالقون اليوم في دوامة الخيارات، «قدمٌ في سوريا وأخرى… في المجهول».