أثرياء البرازيل… من نوع اخر

10 يونيو 2021آخر تحديث :
أثرياء البرازيل… من نوع اخر

انضمت بعض الأسماء البرازيلية الجديدة إلى لائحة الأثرياء العالميين. وتحكي طريقة حصولهم على ثرواتهم هذه وسط الأوقات العصيبة، قصة أمة تمر بمرحلة انتقالية. ومما لا شك فيه أن إرث ثروة البرازيل ترك بصماته على هذه القصة.

تبدأ إحدى هذه القصص مع وفاة المصرفي، جوزيف صفرا، العام الماضي، مخلفاً وراءه 17.6 مليار دولار من الأموال والأصول، ما جعل ورثته الأربعة مليارديرات.أصبح لدى عائلة صفرا الآن شركة تضم مجموعة من المهووسين والمبتكرين في عالم الإنترنت والأشخاص المدفوعين بالبيانات. وقد وضعتهم هذه الأموال على القائمة العالمية للأثرياء الجدد. صحيح أنهم نجحوا في تحقيق الانتصارات، إلا أن هذا لا ينفي مواجهتهم لبعض المشاكل المزعجة على طول الطريق. وليس سهلاً أن تحقق الانتصارات الاقتصادية في البرازيل.

النجاح في الاقتصاد البرازيلي..ليس سهلاً
لطالما تكهن المهتمون والنقاد وخبراء المال بقدرة سحر السوق ورؤوس الأموال الشغوفة بالجديد، على إعادة تأهيل هذا العملاق الأمريكي الجنوبي غير المتوازن. في ظل معدلات عدم المساواة الصارخة في الدخل في البلاد والرأسمالية الداعمة للأعوان والمقربين، لم تكن الثورة على كل هذا لتكون سهلة على الإطلاق. ولكن يبدو أنه هناك فرصة لبث الحياة في هذا الاقتصاد المتعب مجدداً.صحيح أن عائلة صفرا حصلت على ثروتها بالطريقة التقليدية. بداية من بيع الذهب للإمبراطورية العثمانية إلى تدليل أصحاب الملايين البرازيليين. إلا أن الوجوه الجديدة على رأس العائلة هي جزء من اقتصاد ناشئ مبني على التكنولوجيا الرقمية. يقوم بتغذيته عملاء من الطبقات المهملة، وتعززه الجائحة والإصلاحات السياسية التي لطالما طال انتظارها.لقد استخدم تجار التجزئة في البلاد كل ما بوسعهم من تطبيقات وخوارزميات لدفع بضاعتهم إلى ما وراء جدران متاجرهم في ظل الجائحة. وذلك من تحفيز تنافسي قادته شركة لتجزئة الشهيرة “ماغازينا لويزا” التي جعلت منصتها القوية للتجارة الإلكترونية “ماغاولو ماركيت بليس”، علامتها التجارية تتصدر المشهد. وأدخلت عائلة “تراغانو” المسيطرة في نادي المليارديرات، حيث ارتفعت مبيعات الشركة عبر الإنترنت خلال الجائحة وأصبحت تمثل الآن ما يقرب من 69% من الأرباح.أثرياء القطاع المالي الحديثحوّل غيلهيرمي بينكيمول، ما كان يوصف بالحياة المهنية المتذبذبة (حيث طُرد مرة من عمله، كما تم تخفيض رتبته في أخرى، ونُفي إلى وضع مالي راكد) وشركة ناشئة غير مجدية في عام 2001، إلى شركة “إكس بي” (XP Inc)، وهي الآن أكبر شركة سمسرة في البرازيل.راحت الشركة تنافس البنوك القديمة ذات الرسوم الباهظة والخدمات الكئيبة. ومع اصطفاف مديري الثروات التقليديين إلى شراء البيوت الفاخرة، ذهب بينكيمول إلى السوق، حيث غازل بقوة عملاء الطبقة الوسطى الذين لديهم مدخرات ضئيلة، ويأملون في تجاوز البوابات الذهبية للمؤسسات المالية الكبرى.ووضع الاكتتاب العام الأولي لشركته “إكس بي” في شهر ديسمبر 2019، (قُدّرت بـ436 مليار ريال برازيلي، أي ما يعادل 81 مليار دولار في الأصول و2.3 مليون عميل) في مقدمة عالم المال. ورفع هذا الاكتتاب صافي ثروة بينكيمول إلى المليارات. واليوم، يتنحى البالغ من العمر 44 عاماً عن الشركة، لصالح رئيس التكنولوجيا البالغ من العمر 36 عاماً.وأضف إلى هذه المجموعة شركاء شركة “ستون باغامينتوس”، وهي شركة مدفوعات رقمية، ساعدت منصتها القائمة على النظم السحابية، في إفشال نادي الوسطاء الذين استحوذوا على معالجة مدفوعات بطاقات الائتمان وبطاقات الخصم لمدى عقود في البرازيل. وأصبحت الشركة، المحبوبة من مستثمري التكنولوجيا، شركة “أحادية القرن” في عام 2018، مع طرح عام أولي بقيمة 1.5 مليار دولار.الابتكار يحتاج للدعم التنظيميلعل أكبر الرابحين في الاقتصاد الشعبي الناشئ في البرازيل، هو الوفرة المتزايدة من البنوك التي تعمل عبر الإنترنت فقط. والتي تجذب العملاء بعيداً عن المقرضين التقليديين. وقد سجلت العشرات من البنوك الرقمية في العام الماضي (البرازيل لديها أكثر من 770 شركة تكنولوجيا مالية) 67 مليون حساب جديد. وينحدر بعض العملاء من الأشخاص غير المتعاملين مع البنوك، إلا أن معظمهم من الذين كانوا يتعاملون مع المقرضين التقليديين، وقرروا الابتعاد عنهم، في ظل إحباطهم بسبب الرسوم الباهظة والخدمة البعيدة عن أي لمسات شخصية والتي تقتضي الوقوف في طابور الفرع لساعات.ولم ينجح أي منهم في استقطاب هؤلاء العملاء المهاجرين مثل شركة “نوبانك” (Nubank) ومقرها ساوباولو، والتي تضم 35 مليون عميل أكثر من شركة “بنكو سانتاندر” (Banco Santander). كما استحوذت شركة “نوبانك” على 15% من جميع التحويلات المصرفية في شهر ديسمبر، وهي نسبة أكبر مما قدمه “براديسكو” (Bradesco) المقرض الثاني على مستوى البرازيل. وفي ظل كل هذا، ليس من المستغرب انضمام ديفيد فيليز، الرئيس التنفيذي لشركة “نوبانك” والمولود في كولومبيا، إلى نادي الأثرياء البرازيليين بشكل مفاجئ.تساعد الشركات الناشئة والمبتكرين على تعزيز الابتكار في البلاد. إلا أنهم بحاجة إلى دعم من المنظمين. وقد أخبرني برونو دينيز، خبير التكنولوجيا المالية في شركة الاستشارات “سبايراليم انوفيشن”:لا فائدة من امتلاك التكنولوجيا فحسب. يحتاج السوق المالي إلى قواعد للسماح بالتغييراتلحسن الحظ، يدير روبرتو كامبوس نيتو، البنك المركزي البرازيلي، والذي تبنى روح أسلافه ذوي التفكير المستقل حول مجرى سياسات البرازيل في عمله، وذلك لتبسيط القواعد وإلغاء الحواجز أمام المؤسسة.لاعبون جددكان أحد الابتكارات التنظيمية هو الخدمات المصرفية المفتوحة، وهو ترتيب يسمح بمشاركة البيانات بين المقرضين لمساعدة العملاء على مقارنة الخدمات المالية، وبالتالي تعزيز المنافسة في السوق. وهناك أيضاً “آلية الحماية التنظيمية” التي تخلق مساحة آمنة لاختبار نماذج الأعمال التي لم يتم تجربتها من قبل، والتي لم يتم ترخيصها بعد. وقد أدت سياسة المدفوعات الفورية في البرازيل إلى استحداث تطبيق “بي آي إكس” (PIX)، وهو تطبيق دفع بدون رسوم، يسمح بمبادلة الأموال في الوقت الفعلي بنقرة على شاشة تعمل باللمس، والذي تجاوز في غضون ستة أشهر فقط الحوالات المصرفية التقليدية القائمة على الرسوم. ويقول دينيز: “سنرى من خلال هذه المبادرات التنظيمية لاعبين ماليين جدد، ومزيداً من الاندماج الاقتصادي”.تعني قاعدة أوسع من العملاء، أن الاقتصاد يتمتع بصحة أفضل. فقد دخل مليون مستثمر لأول مرة البورصة البرازيلية خلال العام الماضي، مدفوعين بانخفاض أسعار الفائدة، والعائدات الهائلة على المدخرات التقليدية، والإغلاق بسبب الجائحة، الذي ترك الناس جالسين لساعات أمام شاشاتهم.بعد أن أهملهم المتسابقون في الأسهم، فإن هؤلاء المستثمرون من ذوي الدخل المنخفض أصبحوا الآن عملاء مهمين في مجال التكنولوجيا المالية. ويقول دينيز: “البلدان ذات معدلات عدم المساواة الكبيرة تمثل فرصاً للسوق”.كيف يفكر الأثرياء؟وهذا كله يعني أيضاً، أن هناك نوعاً جديداً ومختلفاً من الأثرياء. وتقول أدريانا دوبيتا من “بلومبيرغ إيكونوميكس”: “تدفقت الثروة البرازيلية لسنوات عديدة إلى القطاعات التقليدية في البنوك والأعمال التجارية الزراعية والتصنيع، والتي كانت غالباً بمساعدة الحماية الحكومية والقروض الميسرة. ولكن عندما تقوم بتطبيق التطورات التكنولوجية، فأنت تحصل على اقتصاد أكثر ذكاءً وإبداعاً. وتساعد شركات التكنولوجيا المالية على كسر الحواجز وهو ما يفتح الطريق لثروات جديدة “.ولَّد المليارديرات الجدد في البرازيل اتجاهات جديدة في هذه الأزمان المتغيرة، حيث ينتشر الشباب الوافدون منهم في مجال التمويل المعتمد على التكنولوجيا الآن في كل مكان على “يوتيوب” و”إنستغرام”، ويطرحون موضوعات مثل “كيف يفكر الأثرياء؟” أو “خمس خطوات لإنهاء التدمير الذاتي وكسب المال في عام 2021”.وبعد الاكتتاب العام الأولي الرائد لشركة “إكس بي”، كتب الرئيس التنفيذي بينكيمول إلى العملاء قائلاً:لن نرتاح حتى نحول النظام المالي البرازيلي بالكامل ونحسن حياة الناسمن جهتها، تدعي “موتو” أنها “تخدم المحرومين”؛ فالشركة الناشئة التي تتخذ من ساو باولو مقراً لها باتت مفضلة عند المستثمرين الحاليين، وتؤجر الدراجات النارية لشركات النقل ذات الدخل المنخفض في اقتصاد الوظائف المؤقتة.ربما لا ترقى النوايا الحسنة والتكنولوجيا الفاخرة التي ابتكرتها مجموعة مختلفة من الأثرياء إلى مستوى يوصف بالثورة المالية الوشيكة. إلا أنها بلا شك تتفوق على الوقوف في طابور عند المصارف التقليدية.

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.