كتب د. محي الدين الشحيمي لـ”لبنان 24″:إذا ما زلنا نعتقد أو حتى اننا نعتبر ونظن بأن هذه الأحداث المتواترة ليست بسيئة أو خطيرة بما فيه الكفاية، فبهدوء تام وبموضوعية متجردة أستطيع أن أخبركم بأن هنالك شيئا آخر يحدث وعلى طريق التنفيذ، هو شيء لم نره وأمر لم نماثله منذ مئات السنين، انه حدث يمكن أن يغير نسيج مجتمعنا وثقافتنا واقتصادنا العالمي وأولوياتنا وعلى نحو لم نلحظه من قبل.
فمنذ انفجار الأزمة الصحية لجائحة الكورونا، التي أغرقت الاقتصاد العالمي بها والتي أعقبتها سلسلة من الانهيارات في الأسواق والأسهم، والمترافقة أيضا بالمؤشرات السلبية لكثير من المعدلات كالبطالة والأعمال التجارية وغيرها من حالات انعدام تكافؤ الفرص والافلاس، ونحن نحذر من كساد عظيم آخر. وفي حين تكافح مجموعة الدول الكبرى هذا الانهيار الإقتصادي، تتعالى الأصوات المحذرة وترتفع أكثر من أي وقت مضى ولكن من دون جدوى!.
نحن الآن نعيش من خلال التجربة الاقتصادية الأكثر رعبا في التاريخ ولا أحد يعرف ذلك، تجربة يمكن أن تساعد في إدخالنا في عصر ذهبي من نوع جديد من الاقتصاد، أو قد تدخلنا في عصر مظلم جديد لم يره العالم من قبل، حيث إن الكساد الكبير القادم سيكون أكبر بكثير من سلفه والذي وقع في 1929 إلى 1933، ومن المرجح أن تستمر آثاره لفترة أطول بكثير من ذي قبل ، بسبب القصور في مكافحته والتخبط لناحية صياغة الحلول والاستراتيجيات والسقوط المدوي في فخ اللامتوقعات، ناهيك عن عدم فهم الوقائع وبالتالي ستكون النتيجة أكثر حدة، بالنظر إلى أن اقتصاداتنا تعاني الآن من دين وطني ضخم لا ينمو إلا بشكل سلبي ويزداد كل يوم وليس هنالك من قدرة على سداده .هذا الامر جعل السياسة النقدية الحالية تدفع البلاد إلى الهاوية المالية، لأنها تستدرج حالة تضخمية لفقاعات الأصول بخاصية المستويات المرتفعة والمؤذية بشكل خطير، مؤسسة لنموذج من المسببات الممهدة بالوقت ذاته لوقوع كوارث فجائية، وهي لن تؤدي إلا إلى تفاقم مصاعبنا الاقتصادية إلى أبعد من ذلك. حاليا لا يتطلب الوضع سوى فشلا اضافيا واحدا فقط من أجل التكريس للانهيار الكبير في الأسواق العالمية، ومع تحققها سنجد أنفسنا في المراحل المبكرة من أول كساد عظيم في حياتنا المعاصرة، حيث ان اساسيات اقتصادنا غير مرنة وبنيته التحتية أشبه بالطمي ومفتقرة للثبات والاستقرار فهي كالرمال المتحركة بالفعل، وهذا لا يحرج قادتنا ابدا أو يزعجهم، هم الذين يعتزمون الاستمرار وعلى نفس المنوال والنسق التقليدي في إنفاق تريليونات الدولارات وسياسات الريع بمعزل عن المستجدات الطارئة ،انه التدمير الذاتي للأسس. فإن السبب الوحيد والحقيقي الداعم للاستقرار في العالم الجديد، والذي يمنع أميركا ومن خلالها المجتمع الدولي من الانزلاق إلى فوضى عارمة وبالتالي يحثها يتحفيز مسؤول هو لا شك مكانة الدولار الرائدة كعملة احتياطية في العالم ، حيث أن أغلب اللغات التجارية ناطقة بالدولار ، اضافة الى المعاملات التجارية الدولية والاستثمارات والاحتياطات وكذلك المدخرات معظمها بالدولار، فجميع الدول والشركات الدولية العابرة للحدود و(الما – فوق) القومية وكل أسواقها واتحاداتها في كل أنحاء العالم تضطر إلى شراء الدولارات من أجل التجارة. والمعادلة الطبيعية تفيد بأنه وكلما زاد حجم الأموال التي يخلقها بنك الاحتياطي الفيدرالي كلما أضعف قيمة كل دولار قائم ومتوافر ،وفي خضم مكافحة التضخم وسبل مواجهته المستشري بالاضافة الى ظهور فقاعات السوق المستدرجة المبالغ فيها بلحظات الثقة والتحكم الوهمي، يلوح لنا عجز الشركاء والحلفاء الدوليين والتجار والمستثمرين وأصحاب المصالح، أمام اشكالية مصيرية “ما إذا كان التمسك بدولاراتهم وسنداتهم” أمر مستحق ومثمر. فتخيلوا معي لمشهدية عاصفة اذا ما فقدوا كامل الثقة وارتفع منسوب الشك وبلغت مرحلة اللايقين ذروتها وقرروا بيع دولاراتهم والتخلص منها وجميعهم في الوقت نفسه على نطاق واسع والاستعاضة بعملة أخرى، عندها لن نشاهد سوى انهيار حتمي ” لبيت الأوراق الابيض “، وليس بمقدور قادتنا تبرير فشلهم في التقييم فبمجرد بلوغنا لتلك النقطة، لأن سلسلة القيم الجديدة والمريبة في العلامات والتنبيهات والتحذيرات ستستمر في التعاقب على الدوام، الأمر الذي سينعكس على رعونة الاداء اللاحترافي ويسلط الأضواء على مخاطر قراراتنا النقدية المتهورة وغير البناءة. ومع اصطدامنا لاصرار صناع السياسات الفاشلين وغرورهم ونفيهم لهبوب أي عاصفة، مع زعمهم وتصديقهم لأكذوبتهم حول اقتصادنا الحالي ومن أنه بنهجه الحاضر قادر على دعم مستويات الديون المرتفعة ويستطيع سدادها، وبالتأكيد من مقلب آخر على أن التضخم سيكون أمرا “عابرا” لا محالة، فإن ما يصرحون به في الواقع هو أنهم لن يشرعوا بأي تغييرات وقائية للتصدي وأنهم سيستمرون في الاعتماد على اعتقادهم الخاطئ المتواصل بأن العالم سوف يدعم التمسك بالكثير من ديون الدولارية والمؤسسة بحد ذاتها لفقاعة الثقة بالنفس وحتى بالديون ، والتي من المفترض أن تسمح لحكومتنا مستقبلا بالاقتراض وإلانفاق وحتى بالاستمرار بالفساد وأكثر من ذي قبل. فإلى متى سوف يتمكنون من الإفلات من هذا الإنفاق الضخم؟ والتوجه نحو الترشيد، قبل أن يتحول النموذج إلى أزمة عالمية كبرى شاملة ، لا مفر من انها ستؤدي إلى إسقاط أكبر الاقتصادات العالمية ، حينها لن يأتي أحد لإنقاذنا فالكل مبلل وغريق، وكما حدث أثناء أزمة الكساد الأعظم والفقاعات السابقة كالدوت الكوم والإسكان الأخيرة ، فإن شركاءنا الاقتصاديين سوف يحاولون إنقاذ أنفسهم ولا يستطيعون، سيركزون فقط على تضميد جراحهم ولا يقدرون ، وكل ذلك بفضل خياراتهم وكنتيجة لاختيار زعمائنا وقادتنا في التغاضي عن اولوياتنا والتلهي بالقشور . لهذا السبب لا يمكننا أن نتوقع ببساطة مساعدة خارجية لانقاذنا من الفوضى التي خلقناها لأنفسنا. ومع كل اليقين بأن هنالك كسادا عظيما آخر يقترب نحونا بسرعة ، فنحن نحتاج إلى الاستعداد للأسوأ والأمور تخرج بسرعة عن نطاق السيطرة، حتى لا نصطدم بكارثة مالية وخطر بفقدان منزل أو رؤية عائلتك تجوع . هذه هي أساسيات التأهب للكوارث .