كتب حبيب معلوف في “الأخبار”: استخدام المواد العضوية المعاد تدويرها ليس طريقة لمعالجة أزمة النفايات فقط، ولا لتوفير استخدام الأسمدة الكيميائية في ظل الارتفاع المستمر في أسعارها فحسب… بل، أيضاً، لتوفير استخدام المياه ومقاومة الجفاف. عملياً يمكن أن تكون الزراعة ممكنة في عالم خالٍ من المياه!
الاعتقاد السائد هو أنه لا يمكن الحديث عن الزراعة من دون مياه. ولطالما ورد في دراسات وزارتي الطاقة والمياه والزراعة، أو تلك الممولة من مراكز أبحاث دولية، لتبرير صرف قروض بأكثر من 4 مليارات دولار على إنشاء سدود سطحية لجمع المياه، أن المستهلك الأكبر للمياه في لبنان، بنسبة 70 في المئة، هو القطاع الزراعي. هذه الأرقام تخفي حجم الاستهلاك في قطاعات أخرى، لا سيما في القطاع السياحي في بلد يعتمد على الخدمات. لذلك، بقي القطاع الزراعي «المتهم» الأول باستهلاك المياه. وكانت «خطط المعالجة» تنحو، دائماً، نحو إنشاء السدود لتلبية الزيادة في الطلب، من دون الالتفات إلى طرق أخرى في الري يمكن أن تسهم في ترشيد استهلاك المياه، أو إلى اعتماد طرق جديدة في الزراعة تقوم على حفظ التربة وتحسينها، بما يجعل الزراعة في عالم شبه خالٍ من الماء أمراً ممكناً.
هكذا، لن يعود مهماً الحديث عن التقلبات في هطول الأمطار والثلوج، بل إن الأمر يتعلق بتغيير إدارتنا للمخلفات العضوية، وكيفية توفير المخلفات التي تحمي التربة من الجفاف. كيف؟
تعد المياه المخزّنة في التربة، ويطلق عليها «المياه الخضراء»، مكوّناً مهماً في الدورة الهيدرولوجية. يدخل الماء إلى التربة أثناء هطول الأمطار أو الري. لكن هذا ليس كافياً، أو قد لا يكون متوافراً دائماً، ناهيك عن أن عملية الريّ هذه ليست فعالة بنسبة 100 في المئة. فإذا كان هطول الأمطار أو الري سريعاً جداً، لن تتمكن التربة من امتصاص الماء كفاية، وسينزلق جزء منه عن سطح التربة، وغالباً ما يحمل معه بعض الأتربة، مما يسهم في جرفها. بينما الهدف هو دخول أكبر قدر من الماء إلى التربة والبقاء حيث يمكن للنباتات الوصول إليه. وهذا بالضبط ما توفره المواد العضوية فوق التربة، مع الأخذ في الاعتبار الفروقات الكبيرة بين أنواع التربة وكيفية تفاعلها مع المياه لناحية الامتصاص والتسرب والحفظ والتخزين.
ولكن، كيف تؤثر المواد العضوية في التفاعلات بين الماء والتربة؟
تؤدي زيادة تركيز المادة العضوية في التربة إلى زيادة مساحة المسام من خلال توفير «صمغ» يمكنه تجميع الجزيئات المعدنية. تسمح مساحة المسامّ المتزايدة للماء بالتدفق إلى التربة بسرعة أكبر وتوفر أسطحاً يمكنها التمسك بالمياه بمجرد وجودها في التربة، كما تجمع جزيئات التربة معاً. هذا التجميع يجعلها أكثر مقاومة للتآكل. والطريقة الأكثر فعالية لزيادة محتوى المادة العضوية في التربة، في فترة زمنية قصيرة هي إضافة تعديلات عضوية إلى التربة. السماد العضوي، والمواد الصلبة الحيوية، والأسمدة… كلها تفي بالغرض.
بحسب تجارب أجرتها جامعة ولاية واشنطن، فإن زيادة المادة العضوية في التربة من 1.5 في المئة إلى 3 في المئة، يمكن أن تؤدي إلى زيادة القدرة على الاحتفاظ بالمياه بمعدلات تحميل أعلى تبلغ بين 10 في المئة و20 في المئة، مع زيادة الإنتاج في جميع المحاصيل بنسبة 16 في المئة، وأحياناً إلى أكثر من 25 في المئة.