إلى مشهدية إثنين الإستشارات في بعبدا، تتجه أنظار الشعب اللبناني برمته، كونها محطّة قد تشكّل معبرًا لإنقاذ البلاد والعباد، فيما لو غلّب أصحاب القرار مصلحة البلد على اعتباراتهم الخاصة، وأقلعوا عن سياسة إجهاض المبادرات وضرب الدستور، وسوق الناس إلى جهنم.
كيف ستكون عليه بورصة الدولار الإثنين؟ هل سينخفض على وقع الحراك الحكومي؟
هذا السؤال يتصدّر قائمة اهتمامات اللبنانيين، ولا عجب بذلك، طالما أنّ عيشنا مرتبط بمسار الدولار، والأخير حطّم مستويات قياسيّة جديدة بتجاوزه سقف العشرين ألف ليرة، في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد.
العامل النفسي له تأثيره على بورصة الدولار إلى حدّ ما، وكذلك المضاربات، كأنّ يرتفع سعر الصرف أيام الآحاد وفي وقت إقفال الأسواق المالية، وهو أمر غير مبرر بالمنظور المالي. الوضع السياسي له دوره أيضًا، بدليل أنّ سعر الصرف لطالما سجّل ارتفاعات على وقع كلّ تأزم سياسي، وانخفض إلى حدّ ما مع كلّ انفراج. لكن قصّة جنون الدولار في بلاد الأرز وتفلّته من أيّ ضوابط، أبعد من تأزم أو انفراج محدود، وفق مقاربة الخبير الإقتصادي وليد أبو سليمان “بدليل أنّ الخطّ البياني للدولار بقي تصاعديًا، منذ نشوب الأزمة إلى يومنا، علمًا أنّه كان هناك العديد من المحطّات السياسيّة، التي تراوحت بين استقالة، تكليف، وتأليف حكومة، ولكن الدولار واصل المنحى التصاعدي. أسباب ذلك تعود إلى غياب الإصلاحات والمحاسبة والمساءلة، فضلًا عن عدم توزيع الخسائر بطريقة عادلة، بحيث تصبّ باتجاه واحد، هو اتجاه المودع والمواطن الذي يعجز عن تأمين أبسط مقومات الحياة”. من هنا يضيف أبو سليمان في حديثه لـ “لبنان 24″ أنّ التكليف أصبح تفصيلًا أمام عمق الأزمة، التي باتت تهدّد معيشة المواطنين، والدولار سيبقى تصاعديًّا، في حال لم يُستتبع بتأليف حكومة تنفّذ الإصلاحات.
صحيح أنّ بورصة الدولار سجّلت انخفاضَا في الفترة الفاصلة ما بين اعتذار الحريري والدعوة إلى استشارات التكليف، هنا لا يمكن إغفال أداء المضاربين الذين يستغّلون أي معطى إيجابي، ويخفضون السعر بقصد دفع الناس لبيع دولاراتها ” لكن عمليّا العملة الوطنية مرآة الإقتصاد، والأخير أصابه الإنهيار، حتّى أنّ القطاع السياحي عاجز عن تأمين التبريد للسائح، فإلى أي درك وصلنا، وكيف ستتحسن الليرة ؟”
تتسارع وتيرة الإنهيار الدراماتيكي في كلّ القطاعات، مادة المازوت بالكاد موجودة، وفي حال لم يتمّ فتح الإعتمادات ستختفي المادة من السوق، بما يهّدد القطاع الإستشفائي والأفران والسوبر ماركت وغيرها، المولدات الخاصة قد تتجاوز مرحلة التقنين إلى وقف خدماتها كليّا، المياه ليست أفضل حالًا، وقد برز تحذير “اليونيسف” من انهيار شبكة المياه في لبنان خلال شهر. هذه الأزمات سببها شح الأموال، يلفت أبو سليمان “سواء سُميت أموال الإحتياطي الإلزامي أو التوظيفات، فهناك تعميم صادر عام 2001، يتيح لمصرف لبنان أن يحتسب ما يُسمى الإحتياط الإلزامي، القروض الممنوحة بالعملات الأجنبية لتمويل المشاريع الصديقة للبيئة ، أو سندات الخزينة، وبالتالي دفتريًّا قد يوجد في المركزي 14 مليار دولار، أمّا فعليّا فلا أحد يعلم قيمة الدولارات المتبقّية”. بنظر أبو سليمان، لا أموال، ولكن لا أحد يجرؤ على المجاهرة بذلك.
في الإطار السياسي يقول أبو سليمان، دخل الجميع مدار الحسابات الإنتخابية، وبالتالي أي حكومة مقبلة ستكون أمام مهمّة إدارة الإنتخابات، بحيث يتراجع البرنامج الإصلاحي ويتقدم البعد الإنتخابي. أمّا الـ 860 مليون دولار الموعودة من البنك الدولي، فستكون بمثابة أوكسجين لشراء الوقت، كونها غير مشروطة، ولا يُستبعد أن تُستخدم في مرحلة التحضير للإنتخابات.
عقلنة دولار بيروت،تحتاج إلى نوايا تغييرية إصلاحية، والبداية ،وفق أبو سليمان تكون “بصدمة إيجابية، مرتكزها تنفيذ الإصلاحات التي باتت معروفة، من معالجة انتفاخ القطاع العام، إلى إصلاح مؤسسة كهرباء لبنان، وإعادة هيكلة الدين العام، وهيكلة قطاع المصارف والمصرف المركزي، والتدقيق الجنائي المطلوب من صندوق النقد الدولي، وهو الممر الإلزامي لتدفق الأموال إلى لبنان”.
أي سقف قد يبلغه الدولار فيما لو بقي التعنّت سيد القصر الرئاسي؟ سؤال لا أجرؤ على طرحه، خوفًا من المشهدية القاتمة التي بدأنا نحيا فصولها الدراماتيكية، في عيشنا ودوائنا. ألا يستحق واجب إنقاذ الشعب اللبناني من الهلاك، بعض التعالي عن الإنانيات المقيتة، واستثمار فرصة التكليف لتأليف حكومة موثوقة عربيًا ودوليًا؟