كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”: لا يخرق ظلمة بيوت اللبنانيين في هذه الأيام العصيبة، إلاّ ومضات تحويلات المغتربين. ملايين الدولارات التي تتدفق شهرياً من 156 دولة إلى عشرات آلاف الأفراد والعائلات، أصبحت الركيزة الأساسية للصمود بعد انهيار الليرة، وفقدان العملة الصعبة من المصادر الأخرى.
تحويلات المغتربين التي وضعت لبنان تاريخياً على رأس الدول المتلقية للتحويلات بالمقارنة مع عدد السكان، تضاعفت أهميتها بأشواط بعد الأزمة. وقد أثبتت أنها تمتاز بمرونة مرتفعة، واستجابة سريعة للمتغيرات. حيث سجلت قيمة التحويلات وعددها ارتفاعاً مع ازدياد الصعوبات الاقتصادية، رغم كل المعوقات التي يواجهها اللبنانيون في الخارج، بسبب جائحة كورونا وغيرها من المتغيرات الاقتصادية. ووفقاً للشركة الرائدة في تحويل الأموال OMT فان “التحويلات الواردة من الخارج زادت في الأشهر الستة الاولى من العام الحالي بنسبة 50 في المئة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2020”. هذا الواقع دفع برئيس مجلس إدارة OMT المحامي توفيق معوض إلى التوقع بأن “تفوق قيمة التحاويل الواصلة عبر الشركة لغاية نهاية العام الحالي 1.5 مليار دولار، مقسمة على مبلغ يتراوح بين 100 و120 مليون دولار شهرياً”. وبحسب معوض فان “الارتفاع في أعداد المغتربين من جهة وإحساسهم الكبير بصعوبة الوضع الاقتصادي من جهة أخرى، لا يحفزهم على الاستمرار بتحويل الاموال فحسب، إنما على دخول فئة جديدة لم تكن تحول في السابق.
زيادة التحويلات الصغيرة
وهذا ما يمكن الاستدلال عليه من خلال تسجيل الشريحة الأدنى من التحاويل التي لا تتجاوز 50 دولاراً شهرياً زيادة بنسبة 200 في المئة، من حيث العدد والقيمة في النصف الأول من العام 2021، بالمقارنة مع العام 2020. كما أن شريحة التحاويل التي تقل عن 500 دولار ارتفعت بنسبة 56 في المئة، وشكلت نحو 70% من مجمل التحاويل. ومع هذا فقد بلغ متوسط قيمة التحاويل الواردة في النصف الأول من العام الحالي حوالى 520 دولاراً اميركياً. وبحسب معوض فان “عدد المستفيدين من التحاويل المالية من الخارج في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي بلغ حوالى 220 ألف مستفيد شهرياً”.
سند للعائلات
تحويلات المغتربين التي عاكست توقعات الكثيرين بإمكانية انخفاضها مع فقدان الليرة اللبنانية قيمتها، شهدت في المقابل تبدلات في وجهة استعمالها النهائية. فالجزء الأكبر منها لم يعد يخصص للاستثمار كما في السابق أو للتوظيف في المشاريع وشراء العقارات والأراضي وبناء المنازل، إنما لتلبية الاحتياجات اليومية والمتطلبات الأساسية من مأكل ومشرب وخدمات. ومن الممكن أن يكون جزء منها يستخدم لإطفاء ديون مصرفية. خصوصاً في ظل إمكانية تسديد القروض للمقيمين الأفراد على سعر صرف 1500 ليرة. ما يعني أن المتطلبات التي كانت تكلف قبل الأزمة 900 ألف ليرة، لم تعد تحتاج إلى حوالة من الخارج بـ 600 دولار، إنما 45 دولاراً فقط أصبحت تكفي. وفي جميع الأحوال فان هذه الدولارات المحولة والتي تصل إلى 1200 وكيل لشركة OMT على كافة الاراض اللبنانية تصرف في الأسواق وتزيد عرض الدولار وتحد من الارتفاعات الجنونية في سعر الصرف. وبحسب معوض فان “هذين العاملين قد يكونان السبب الرئيسي في ازدياد أعداد التحويلات ذات القيمة المنخفضة التي لم نكن نراها سابقاً. فالمبالغ التي تقل عن 50 دولاراً أصبحت تشكل اليوم سنداً للكثير من العائلات، وهي تعادل الراتب الشهري لنحو 160 ألف موظف يعملون في القطاع العام الذين أصبحت رواتبهم تتراوح بين 45 و80 دولاراً اميركياً.