توصف حزمة الإنفاق التي قام مجلس الشيوخ بتمريرها إلى مجلس النواب، التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، بأنَّها عملية إصلاح، تحدث مرة واحدة في حياة جيل كامل للبنية الأساسية المتدهورة لأمريكا. وبما أنَّ مناخ الأرض يتغيّر بوتيرة أسرع مما يمكن أن تتحمَّلها طرق أمريكا، وجسورها، وبنيتها الأساسية الأخرى، ينبغي أن نعتبر هذه الحزمة مجرد مبادرة أولى في سلسلة من الاستثمارات الكبيرة المماثلة.كشفت الأحداث المرتبطة بالمناخ، على مدار الاثني عشر شهراً الماضية، بوضوح عمَّا يحدث. إذ بلغت درجة الحرارة في مدينة سيلم في ولاية أوريغون 117 درجة فهرنهايت. ويتعامل الغرب الأمريكي الآن مع أسوأ موجة جفاف مرَّ بها في تاريخه. وفي فبراير الماضي، دفعت دوَّامة قطبية درجات الحرارة في ولاية تكساس للانخفاض 50 درجة تحت مستواها الطبيعي.مجتمعات غير مؤهلةتمَّ تصميم معظم مشروعات البنية الأساسية في الولايات المتحدة بشكل تتحمَّل به الفيضانات، والحرائق، والعواصف، والجفاف مرة واحدة على مدار قرن من الزمان، إذ يكون 1% منها فقط عرضة للانهيار كل عام. لكن تحدث هذه الكوارث حالياً بمعدل مرة كل عشرين سنة أو أقل.
ثم يتضح أنَّ مجتمعاتنا غير مؤهلة لتحمُّل تلك الظواهر إلى حد أبعد كثيراً مما نتوقَّع. لم تقم تكساس بعد بعزل محطات الكهرباء لتقاوم عوامل تغيّر المناخ. كما تقوم المرافق العامة في كاليفورنيا مرة أخرى بقطع الكهرباء عن المناطق التي تزيد فيها مخاطر وقوع حرائق كارثية مع زيادة سرعة الرياح بسبب أسلاك نقل الطاقة الكهربية. واضطرت بورتلاند إلى إغلاق نظام النقل بها، عندما ذابت أسلاك الكهرباء بسبب ارتفاع الحرارة بشكل غير متوقَّع.إنَّ وصول المشكلات المناخية الخطيرة مبكراً؛ يعمل فعلياً على تخفيض القيمة الحقيقية للبنية الأساسية القائمة. وكثير منها سوف يحتاج إلى تحديث كبير ومهم، أو حتى استبداله كاملاً.بمعنى آخر، فقدت الولايات المتحدة جزءاً كبيراً ومهماً من ثرواتها المتراكمة. أصبحت بيوت، وطرق، ومكاتب، ومحطات كهرباء، وموانئ، ومحطات معالجة مياه، ومدارس، ومستشفيات، وخطوط كهرباء، ومنشآت للاتصالات، كلها عرضة للرياح الشديدة، وموجات البرد العنيفة، وارتفاع مستوى مياه البحر، وزيادة درجات الحرارة صيفاً، وموجات جفاف أكثر عنفاً وحدَّة. والآن يجب نقلها إلى أماكن أخرى، أو تعزيز قدرتها على تحمُّل عوامل الطقس، أو استبدالها، وإهلاكها بمعدل أسرع.إصلاحات واجبةباتت المدن الشمالية فجأة تحتاج مزيداً من تكييف الهواء. كما يجب نقل محطات معالجة مياه الصرف الصحي التي تقع في الأراضي المنخفضة إلى مواقع أخرى. كما تحتاج ملايين المنازل القريبة من الغابات الجافة، أو الأراضي العشبية إلى الوقاية ضد الحرائق. ويجب أن تتمَّ معالجة المباني الخارجية لمنع انتشار النمل الأبيض. ويجب نقل مئات الأميال من الطرق الساحلية الحرة إلى الأراضي الداخلية. علاوةً على دفن خطوط البث تحت الأرض. كما ستحتاج مجتمعات ساحلية إلى حمايةٍ ضد أمواج العواصف. فضلاً عن استبدال آبار مياه الشرب، التي تلوَّثت بالملح، بغيرها. وستكون تكلفة ذلك هائلة بالنسبة لملَّاك العقارات، والمنشآت الخاصة، والعامة.يسري حالياً اتجاه لموازنة هذه الضروريات، وهو ما قد يُعوِّض قدراً كبيراً من تلك التكلفة: خاصة أنَّنا في منتصف الطريق نحو التحوُّل الكبير من الوقود الأحفوري إلى استخدام الطاقة النظيفة، بما فيها طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والسيارات، والشاحنات الكهربائية، والمنازل صفرية الانبعاثات. تعدُّ هذه التكنولوجيا أرخص من تلك التي ستقوم باستبدالها. وإذا سرَّعنا من وتيرة تطبيقها؛ فسوف تنخفض أسعارها أكثر، وستزداد مزاياها الاقتصادية. إنَّ تحويل الاقتصاد الأمريكي إلى اقتصاد خالٍ من الكربون، في إطار التحوُّل العالمي في مجال الطاقة، سوف يؤدي أيضاً إلى تخفيض التكاليف المستقبلية الناجمة عن اضطرابات المناخ.انتهاز الفرصةحتى ينتهز صنَّاع القرار بالولايات المتحدة هذه الفرصة، سيكون عليهم أن يغيّروا الطريقة التي يفكِّرون بها بشأن المخاطر المستقبلية. ينبغي عليهم تقليد الهولنديين الذين يجعلون منع الفيضان أولوية، بدلاً من الاعتماد على عمليات الإنقاذ، أو الإصلاح عند غرق مناطق سكنية أو سدود.على الرغم من كون خطَّة الرئيس جو بايدن للبنية الأساسية طموحة، إلا أنَّها تتجاهل أعمال الصيانة المانعة للكوارث، التي يمكنها تخفيض التكاليف طويلة الأجل لمواجهة الكوارث، وإصلاح البنية الأساسية. ضع في اعتبارك مثلاً أنَّ الولايات المتحدة لديها 2000 سد مهدَّدة بالانهيار بسبب سقوط الأمطار الغزيرة، وقد يترتب على انهيارها تدمير المناطق السكنية على مسارات المياه. عندما رفضت سلطات كاليفورينا إصلاح مفيض سد أوروفيل، بعد توصيات قدِّمت لها، تسبَّبت أمطار الشتاء التالي في دفع السد إلى حافة الانهيار، وتحتم على السلطات إخلاء مئات الآلاف من السكان من منازلهم، وإنفاق مليار دولار على الإصلاحات. كان يمكن أن تخفِّض أعمال الصيانة الواقية هذه التكاليف بنسبة 90%.قد تحقِّق الولايات المتحدة وفورات مالية هائلة في الأجل الطويل إذا ما تمَّ البدء الآن في الإنفاق على إصلاح السدود قبل انهيارها، ووقاية المنازل ضد الحرائق قبل أن تشتعل النار بالغابات المجاورة، وتركيب شبكات صغيرة للكهرباء قبل الإعصار القادم في الأحياء الساحلية، وتغيير الأرصفة الصلبة بأسطح قادرة على الامتصاص قبل هطول الأمطار.في الوقت الحالي، نحن نفعل عكس ذلك. ولأنَّنا لا نؤمن بالوقاية؛ نستثمر القليل في كل وجوه البنية الأساسية القائمة لدينا. وبحسب البنك الدولي؛ تنفق الدول الأوروبية 5% من إجمالي ناتجها المحلي على بناء وصيانة البنية الأساسية، في حين تنفق الولايات المتحدة 2.3% فقط.لمواجهة الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية التي ستفرضها التغيّرات المناخية، والتحوُّل السريع في مجال الطاقة، تحتاج الولايات المتحدة خاصة أن تستثمر في البنية الأساسية عند المناطق والمجتمعات المهملة. فكر مثلا ًفي قدرات مرفق مكافحة الحرائق في المناطق الريفية بالبلاد، مازالت عند مستواها منذ عصر كان فيه عشر المساكن الحالية عرضة لمخاطر الحريق، ومازالت تمثِّل جزءاً ضئيلاً من قدرات مكافحة الحريق في المدن الكبيرة. إنَّ الحرائق التي اجتاحت الغرب خلال الصيف الحالي تغطي مناطق أكبر كثيراً من مدينة نيويورك، لكن يبلغ عدد قوات مكافحة الحريق المؤقتة التي تواجه هذه الحرائق نصف عدد القوات التي تعمل بصفة دائمة في نيويورك.وكما رأت مدن بعيدة عنها، مثل شيكاغو ونيويورك خلال الصيف الحالي، لا تتوقَّف أدخنة الحرائق داخل حدود المناطق الريفية، إذ سيزيد تغيُّر المناخ من حدَّة الأزمات المرتبطة بالطقس في كل مكان. وحتى تقلل الخسائر إلى أدنى الحدود؛ ستحتاج الولايات المتحدة إلى استثمارات في البنية الأساسية بشكل أكبر بكثير مما يقر بها الكونغرس والبيت الأبيض حالياً. عبر الاعتراف بالحقائق الجديدة، وتسريع التحوُّل إلى استخدام الطاقة النظيفة، وتبني منهج الوقاية أولاً في مواجهة أحوال الطقس العنيفة؛ سيكون ممكناً أن نطمئن إلى أنَّ تغيُّر المناخ لن يجعل البلاد أكثر فقراً.