عاد مشهد الاعتصامات أمام مقر جمعية مصارف لبنان وعدد من مباني المصارف للتعبير عن رفض احتجازها أموال المودعين، وسط قيام المصارف بتقييد السحوبات النقدية. حجتها في ذلك أنها لا تستطيع طباعة النقد، وانها تحصل على السيولة بالليرة من المصرف المركزي الذي عمد أخيراً إلى خفض جديد لسقوف السحوبات النقدية بالليرة للمصارف، في وقت كان المودعون يواصلون السحب من دون أن يقابل ذلك عمليات ايداع، وهو الأمر الذي تسبب بالمزيد من شح السيولة بالعملة المحلية لدى المصارف.
ويأتي التقييد في السحب بعدما بلغت الكتلة النقدية في التداول (أم1) التي تعني مجموع الأوراق النقدية المصدرة والنقود المعدنية الموجودة خارج الخزينة، والمصارف، إضافة إلى الودائع تحت الطلب لدى المصرف المركزي والمصارف المتخصصة، مستوى تاريخياً دفع التضخم إلى معدلات شديدة الارتفاع. إذ وصلت إلى 51 ألفاً و617 مليار ليرة بزيادة نسبتها 88 في المئة على أساس سنوي، وذلك نتيجة التوسع في زيادة العملة المتداولة مقابل انخفاض الودائع تحت الطلب.
كل ذلك يتقاطع مع تساؤلات تطرح راهناً عن مصير التعميم 158 الصادر في حزيران الماضي وكان يفترض بدء تطبيقه في الأول من تموز.
هذه الصورة القاتمة يمكن رسم معالمها بوضوح من خلال ميزانية المصارف المجمعة التي لا تزال تتدهور منذ العام 2019 معبّرة عن حجم الفجوة المالية لديها والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً وعضوياً بميزانية مصرف لبنان.
من هنا، كان لابد أن نرصد بعض التطورات في النشاط المصرفي في النصف الأول من العام الحالي:
-تراجع النشاط المصرفي بـ7 مليارات دولار حتى حزيران 2021، في مقابل تراجع قيمته 15.7 مليار دولار في الفترة نفسها من العام 2020.
– خلافاً للعام الماضي، تراجعت الودائع العامة بشكل طفيف نتيجة القيود المفروضة على السحوبات النقدية من جهة وتراجع سداد القروض عبر الشيكات المصرفية التي تمت في 2020. وقد سجلت ودائع الزبائن التي تمثل المحرك الأساسي للنشاط المصرفي، تراجعاً بقيمة 4.9 مليارات دولار في ستة أشهر، مقابل تراجع بقيمة 14.4 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي.
وبلغت ودائع القطاع الخاص 134.2 مليار دولار بتراجع نسبته 3.5 في المئة عن نهاية العام 2020 و7 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي.
وبحسب مصرف لبنان، تراجعت ودائع القطاع الخاص بين بداية العام 2019 وبين حزيران 2021 بواقع 40 مليار دولار.
أما الودائع بالليرة مقومة بالدولار، فبلغت 26.5 مليار دولار (بتراجع 3 في المئة عن نهاية العام 2020 و9 في المئة عن حزيران 2020).
فيما بلغت الودائع بالعملات الأجنبية 107.8 مليارات دولار بتراجع 4 مليارات دولار أو 3.5 في المئة عن نهاية العام 2020 و8.3 مليارات دولار عن حزيران 2020. وهنا نشير إلى أنه مع خفض نسبة التوظيفات الإلزامية التي يحددها مصرف لبنان بـ 15 في المئة (قبل أن يخفضها إلى 14 في المئة في تعميمه 158)، فإن حجم هذه التوظيفات في المصرف المركزي بلغت 16.17 مليار دولار حتى حزيران.
وهو رقم بات أقل اليوم مع خغض النسبة من جهة واستمرار تراجع الودائع المصرفية بالعملات.
– تراجعت التسليفات بقيمة 4.3 مليارات دولار في ستة أشهر، مقابل تراجعها بقيمة 8.4 مليارات دولار في الفترة نفسها من العام الماضي.
وقد بلغت التسليفات إلى القطاع الخاص 31.9 مليار دولار في نهاية حزيران 2021، علماً أن هذا النوع من التسليفات تدنى بقيمة 27.5 مليار دولار منذ بداية العام 2019.
– كان التراجع الأكبر، إن في الودائع أو في التسليفات، لفئة المقيمين بالطبع. فودائع المقيمين انخفضت بواقع 4 مليارات دولار في ستة أشهر في مقابل تراجع تلك العائدة لغير المقيمين بواقع 900 مليون دولار.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى التسليفات. إذ تراجعت إلى المقيمين بواقع 3.8 مليارات دولار مقابل 500 مليون دولار لغير المقيمين.
– بلغت الدولرة في الودائع أعلى مستوى لها منذ 28 عاماً لتصل إلى 80.3 في المئة في حزيران.
والسبب معروف. سحب كبير نسبياً بالليرة واستمرار التحويل من العملة المحلية إلى الدولار رغم المنع المعلن.
في المقابل، سجلت الدولرة في التسليفات أدنى مستوى لها منذ 34 عاماً إلى 58.4 في المئة بسبب قيام المقترضين بسداد استحقاقاتهم الدولارية بالعملة المحلية على أساس سعر الصرف الرسمي.
– واصلت محفظة المصارف من سندات اليوروبوندز تدهورها لتصل إلى 8.2 مليارات دولار في حزيران، مقابل 9.4 مليارات دولار في نهاية كانون الأول 2020، و13.8 مليار دولار في نهاية العام 2019.
– بلغت أسهم مساهمي المصارف 16.4 مليار دولار في نهاية حزيران 2021، مقابل 19.9 مليار دولار في نهاية العام 2020 و20.7 مليار دولار في نهاية العام 2019، نتيجة تراكم الخسائر التي تسجلها المصارف.
منذ أيام، أعادت وكالة “فيتش” التأكيد على تصنيف سندات العملات الأجنبية الطويلة للبنان بدرجة “تعثر مقيد” Restricted Default الذي يسبق (Default) (“تعثر نهائي” أو “الإفلاس”) بدرجة واحدة فقط. ونقتبس بعضاً مما جاء في المذكرة التي مرت من دون صخب:
“لا تزال هناك قضية أساسية تتمثل في الوضع السلبي للعملات الأجنبية في مصرف لبنان والعواقب المترتبة على ذلك بالنسبة للمصارف وللمودعين.
اعتباراً من حزيران 2021، بلغ مجموع التزامات المصارف بالعملات الأجنبية 113 مليار دولار، وبلغت أصول المصارف بالعملة الأجنبية خارج مصرف لبنان نحو 35 مليار دولار.
وعلى رغم أن أصول المصارف بالعملات الأجنبية بلغت ما يقرب من 78 مليار دولار، فإن هذه الأصول غير متاحة لها لأن إجمالي احتياطات المصرف المركزي من العملات الأجنبية السائلة لم تتجاوز الـ15 مليار دولار اعتباراً من حزيران 2021، باستثناء الذهب الذي تقدر قيمته بنحو 16 مليار دولار (والذي سوف يحتاج إلى موافقة مجلس النواب على بيعه) وحيازة المصرف المركزي لسندات اليوروبوندز. إن الحكومة والقطاع المالي يختلفان حول كيفية إعادة التوازن إلى العجز وتوزيع الخسائر”.
هذه “زبدة” المذكرة. بمعنى أوضح، لن يكون هنا أي تقدم من دون الاتفاق على توزيع عادل للخسائر.