أصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يحمل الرقم 159، وأثارت بنوده الجدل في الرأي العام اللبناني، إذ اعتبره البعض يسمح للمصارف بالاستيلاء على الدولارت الـ”فريش” التي تُحوّل من الخارج، والبعض الآخر وضعه في خانة اكتمال الحصار على لبنان، فماذا يترتب واقعياً من تداعيات جراء هذا التعميم؟
تعطيل وصول الدولار
اعتبرت الاستاذة الجامعية المتخصصة في القانون المصرفي سابين الككّ معلوف، في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أنَّ “التعميم الرقم 159 الصادر عن مصرف لبنان هو أمر واقع فارضٌ لنفسه، وذلك لعدم وجود خطة من المصرف المركزي، بل فقط بحث عن سيولة نقدية أجنبية، لذلك يفكر بالاستيلاء على التحاويل الخارجية بالدولار، وإنَّ كل هذه التعاميم وكل هذا التخبط لأنَّ المصرف المركزي يرفض الاعتراف بالنقص الهائل والفجوة الضخمة بالسيولة النقدية بالعملة الأجنبية لديه، التي تمنعه من فتح اعتمادات مؤجلة الدفع لدى المصارف المراسلة”.
وتضيف: “وبينما يؤكد مصرف لبنان أنَّ المصارف لن تجبر المودعين على تسلم تحويلاتهم الـ”فريش” دولار بالليرة، ترى معلوف أنَّ تعاطي المصارف في السابق لم يكن سليماً، وبالتالي هناك شك بحسن نية تطبيق هذا التعميم، فإنَّ جمعية المصارف بتقاريرها تؤكد أنّه ما زال لديها التزاماتٍ على عاتقها للبنوك المراسلة تتخطى المليار دولار. ولبنان ليس لديه اليوم كمية دولارات تكفي استهلاكه وحاجات استيراده، وما يقوم به مصرف لبنان هو الاستيلاء على الدولارات الـ”فريش” بأساليب لن تنفع، بل تعطل وصول الدولار إلى البلد”.
تشجيع العمليات غير المشروعة
وترى معلوف أنَّ “أخطر ما في التعميم 159، هو السماح للمصارف بتدوين كل العمليات والشيكات من بيع وشراء حسابات مصرفية بأسعار ومضاربات حصلت على الودائع، وإبلاغ لجنة الرقابة على المصارف بها وإدخالها بحساباتهم، وتضخيم هذه الحسابات بأساليب ومعايير لا تحترم الأسس الدولية، وبالتالي هذا يودي بالقطاع المصرفي إلى مكان خطير جداً، إضافة إلى التشجيع على اقتصاد الـ”كاش” من جهة، وتشجيع المصارف على تسجيل الحوالات من الخارج بأعلى من قيمتها “فريش” دولار من جهة ثانية، وهذا التلاعب بسعر الصرف هو ما يرفضه بالمطلق صندوق النقد الدولي، لأنه يشجع على عمليات غير مشروعة في القطاع المصرفي”.
لبنان يحاصر نفسه بنفسه
“لا حصار مالي على لبنان، وفقاً لمعلوف، فالحصار يكون بمنع تحويل الأموال كلياً، وبوقف تعاملات البنوك المراسلة، وبحظر الشركات الرسمية العالمية من جلب الأموال إلى لبنان، الحصار له أساليب مستعملة من الدولة، وليس منطقياً أن يكون الحصار عبر استيلاء المصرف المركزي على الدولارت المحوّلة، هذا فعلياً هو محاولة من مصرف لبنان لإخفاء عجزه”.
وتوضح معلوف: “المصرف المركزي بذلك يوقع البلد بأزمات جمة، لأن اليوم الحل لا يكون عبر عملية حسابية للإستيلاء على الدولار، الحل هو اقتصادي وانتاجي، وكيفية جلب الدولار بعملية مستدامة، أما هذه التعميمات والإجراءات المتبعة، فسيعمق “لاثقة” المجتمع الدولي والمغتربين وكل من يحول أموالا إلى لبنان، وستدفع البلد باتجاه اقتصاد الـ”كاش”، وبالتالي إخراجه من المنظومة الدولية، وهكذا يكون لبنان يخنق نفسه بنفسه”.
عين على دولار شركات التحويل
وبينما تدور شائعاتٍ حول إجراءاتٍ ستتخذ بحق شركات تحويل الأموال، هدفها الاستيلاء على الدولار المحول عبرها، علم موقع “لبنان الكبير” أنَّ هناك اجتماع سيحصل بين الشركات والمعنيين الخميس. وفي هذا الإطار، اعتبرت معلوف أنَّ مكاتب الاعتماد لا يمكنها أن تتحمل فارق سعر الصرف بين الدولار واللبناني من حساباتها الخاصة، وترى أنَّ الشركات ستتجه إلى الإضرابات والإقفال.
يومٌ جديد وتعميمٌ جديد لمصرف لبنان، وهو كما تعميماته السابقة “يهدف للمساهمة في التخفيف من الأزمة، لكن في الواقع يزيدها تفاقماً”. والغريب كيف أنَّ حاكم المصرف المركزي رياض سلامة يملك كل هذه الصلاحيات، في ظل الصمت المطبق لكل الأجهزة الرقابية والوزارية والسلطوية على إجراءاته، بينما تتحدث الأخبار عن حصار دولي. إجراءاتٍ مثل هذه تجعل لبنان يحاصر نفسه بنفسه، فيما المسؤولون يتناتشون الحصص الوزارية التي لن تفيد الشعب، بل حتى لن تفيدهم عند الإفلاس الكامل.