يشهد “سوق الذهب” في لبنان حالاً من التذبذب وعدم الثبات، إذ لا يزال أصحاب المحال صامدين في ظل هشاشة الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي يعاني منه الفقير والغني. فبعدما كان الذهب نجم المناسبات، وبعدما كان يزيّن معاصم النساء وأعناقهن، بات اليوم للفرجة بحيث يلقي العابرون نظرة سريعة إليه في واجهات المحال من دون التجرؤ على السؤال عن سعره… وليكفي ما في جيبة المواطن لشراء ربطة خبز، وليكون مهر العروس ونقوط المولود وهدايا الأعياد رغيفاً بدلاً من المصاغ.
“الشغل خفيف جدّاً”، بهذه الكلمات وصف بائع الصيغة بلال الحافي لـ”لبنان الكبير” الطلب على الذهب الذي تراجع مع اشتداد الأزمات التي طالت أرزاق الناس.
ويتابع: “للصراحة كان اتّكالنا هذه السنة على حركة المغتربين معتقدين أنّهم سيلجأون لشراء الذهب من لبنان لكونه أصبح شبه رخيص بالنسبة للدولار لكن بقيت الحال على ما هي عليه”.
وتستمر ضيقة المواطن المعيشية حتّى في أوقات سعادته المصحوبة بماديات الحياة التي فُرضت عليه في بلد لا يعرف إلا المعاناة والذل: “للأسف أصبح الزبون الذي يريد الشراء لمناسبة ما إن كانت خطوبة أو زواج أو عيد ميلاد، يسأل مباشرةً عن أرخص قطعة ذهب. كما أصبح المواطن الذي ما زال يتقاضى راتبه على الـ1500 يلجأ الى بيع الذهب لتوفير المال وبالدولار الذي يسمح له بتأمين أبسط متطلبات العيش الكريم، فصار يجول بين محال الصيغة لبيع ما يملك بأفضل سعر يمكن أن يحصل عليه”.
وفي السياق عينه، يفيد بائع الصيغة ربيع متولي بأنّه “لا يوجد طلب على الذهب هذه السنة، فليس هناك من يشتري في هذه الأيام خصوصاً مع عدم توافر الدولار لدى الناس نظراً لارتفاع سعره الجنوني”.
أمّا بالنسبة للعرض، فيقول: “الذي يملك كم قطعة ذهب يبيعها كي يتسنى له أن يعيش في هذه الأيام العصيبة. وهناك نسبة قليلة جداً من الناس التي ما زالت تملك الذهب وهذا لأنّها لم تصل بعد الى مرحلة العوز لتضطر الى بيعه لتأمين أبسط حاجاتها”.
وكما هو معروف، فإنّ موسم السياحة الذي ربما أنعش القطاع الاقتصادي بإدخاله “الفريش دولار” قد يكون أنعش حركة البيع في سوق الصاغة، لكن البائع نفى ذلك موضّحاً أنّ “إقبال المغتربين على شراء الذهب ضئيل جداً ولم يشكلوا أي فارق”.
ويختم: “لا أدري ماذا أقول، نحن بانتظار رحمة الله فقط وأن تُفرج أحوال لبنان كي نستطيع أن نكسب لقمة عيشنا”.
لمى سماحة زوجة وأم لثلاثة أولاد تحاكي آلامها التي فاقت طاقاتها وما عادت تطيق تحمّل وضعها المادي، وتقول: “لا أستطيع الإستمرار في بلد سلب مني رزقي ورزق زوجي، فبعدما كان وضعنا المادي بألف خير أصبح تحت الصفر واضطررنا لترك العمل في بداية جائحة كورونا، وها أنا الآن “عم بيع دهبياتي” الباقية من هدايا زواجي لنستطيع تأمين قوتنا اليومي”.
وتتابع: “كلّما أبيع قطعة من الذهب أشعر بغصّة، لأنني وصلت الى مرحلة لم أكن لأتخيل أنني سأعيشها حتّى، وبقيَت لدي الآن قطعتان ولا أعلم إلى أي مدى سنصمد معها”.
من معاناة مواطن الى آخر، هكذا يعبّر كلّ منهم عن أوجاعه التي خلفتها الأزمة اللبنانية إذ يقول أحمد سندس إنّ “هذا الوضع المأساوي الذي وصلنا اليه جعلني أبيع كل ما نملك من ذهب.
فكل قطعة أحضرتها لزوجتي في المناسبات اكراماً لها، اضطررت اليوم أن آخذها منها لنؤمّن مأكلنا ومشربنا.
ففي حين ارتفع سعر كل شيء، الكهرباء والمياه والدواء والمواد الغذائية لم يبقَ أي خيار امامي سوى بيع الذهب لأحصل على القليل من المال، لأنّ الراتب لم يعد يساوي شيئا”.
ويختم: “راتبي 1.2 مليون ليرة، كم يوما سيكفينا؟ حتى اذا أردت أن أعيش عيشة ذليلة لن يكفيني هذا الراتب، فحتى ممتلكاتنا سلبونا إياها”.