طرق مبتكرة لتخفيف تأثير كورونا على الاقتصاد

14 سبتمبر 2021
طرق مبتكرة لتخفيف تأثير كورونا على الاقتصاد

أصاب فيروس كوروناالمستجد أكثر من 200 مليون شخص حول العالم، وأودى بحياة 4.5 مليون آخرين منذ ظهوره أواخر عام 2019 في مدينة ووهان الصينية. في غضون ذلك، كان الفيروس الذي يُعرف علمياً باسم “سارس-كوف-2” (SARS-CoV-2) يدمّر نوعاً مختلفاً من نظم الحياة المعقدة، ألا وهو المدن.

في عدد خاص عن المدن، تستعرض “بلومبرغ بيزنس ويك” التغيرات الهائلة التي طرأت على الحياة الحضرية في إطار سعي المدن إلى الصمود في وجه الوباء. ففي مارس 2020، وبعد تفشي “كوفيد-19” في الصين وإيطاليا وإيران، ارتفعت أعداد الإصابات بسرعة في مناطق أخرى. ومع تأكيد إصابة 95 شخصاً في مدينة نيويورك بحلول 12 مارس، أعلن عمدة المدينة، بيل دي بلاسيو، حالة الطوارئ، لكنه قال إنه سيكافح بكل قوته لإبقاء المدارس مفتوحة. وبعد ثلاثة أيام، قفز إجمالي الإصابات المؤكدة في المدينة إلى 329 إصابة، الأمر الذي جعل المدارس العامة في مدينة نيويورك، التي تشكل أكبر نظام تعليمي في البلاد، تعيد مليون تلميذ إلى منازلهم ليتعلموا عن بُعد.في الوقت ذاته، أغلقت المكاتب على عجل، وتلاشت السياحة، وأُفرِغ وسط المدن في معظم أنحاء العالم. على سبيل المثال، عجز متحف اللوفر عن استقبال زائريه في باريسالمغلقة. أما في واشنطن فبدا متنزه “ناشيونال مول” مهجوراً، كما هبطت معدلات ارتياد وسائل النقل العام، وخفضت خدمة مترو أنفاق لندن عدد رحلاتها وأغلقت 40 محطة بصورة مؤقتة. وقال عمدة لندن، صادق خان، في 18 مارس: “ينبغي ألا يتنقل الناس بأي وسيلة، إلا إذا كانوا مضطرين فعلاً إلى ذلك”.على الصعيد الاقتصادي، كافحت المتاجر والمطاعم وغيرها من الشركات مع عملائها في منازلهم، وانهار عديد من تلك الأعمال التجارية. كما ارتفعت معدلات البطالة، إذ تقدم 6.6 مليون شخص في الولايات المتحدة بطلبات للحصول على إعانات بطالة في الأسبوع الأخير من شهر مارس وحده، ما جعل قادة المدن يخشون وقوع كارثة في الميزانية.هكذا استقر “الوضع الطبيعي في ظل الوباء”، على الأقل بالنسبة إلى أولئك المحظوظين بما يكفي والذين لم يدفعهم الوباء إلى المعاناة جراء المرض أو الحزن على فراق أحد أفراد أُسَرهم. كان الآباء يوازنون بدقة بين العمل عن بُعد والإشراف على تعليم أطفالهم عبر الإنترنت، كما حاولت الشركات التكيف بسرعة. وبفضل ضخ دفعات كبيرة من الإعانات الحكومية، خرج عديد من الدول من الهاوية الاقتصادية، وتجنبت الولايات المتحدة كارثة محققة في ميزانيات المدن.النهاية لم تقترب بعدإلى ذلك، يظل الوباء أبعد ما يكون عن نهايته، فقد قوضت سلالة “دلتا” شديدة العدوى الآمال في عودة صاخبة للحياة الطبيعية. وخلال الـ28 يوماً التي سبقت 31 أغسطس، كان هناك أكثر من 18 مليون حالة إصابة جديدة بـ”كوفيد-19″ حول العالم، وفقاً لبيانات جامعة “جونز هوبكنز”، لكن على الجانب الآخر تشير اللقاحات الفعالة، على الأقل، إلى انتهاء الوباء. وفي أجزاء كثيرة من العالم بدأ استئناف إيقاعات الحياة كما كانت قبل الجائحة.من هذا المنطلق، تدرس “بلومبرغ بيزنس ويك” الحياة الحضرية في إحدى عشرة مدينة عبر أربع قارات خلال هذه الفترة الاستثنائية من التغيير وعدم اليقين، ونستكشف المدن كونها لا تكافح فقط مع تداعيات “كوفيد”، ولكن أيضاً مع تحديات عميقة ومتجذرة مثل عدم المساواة في توزيع الثروة، والعنصرية، والخلل السياسي.في هذه الجولة، يأخذنا نوا بوهاير إلى ممر “بايك/ باين” في سياتل، الذي يحكى قصة العام ونصف العام الماضيين في “كون مصغر”، من خلال البيانات الدقيقة وقصص أصحاب الأعمال التجارية الصغيرة. وكان مبنى “الكابيتول هيل” في سياتل قد شكل مركزاً للاحتجاجات خلال صيف عام 2020، ما يذكرنا بأن “كوفيد” لم يكن القوة الوحيدة التي تعيد تشكيل المدن. وقد أوضحت الحركة، التي برزت في المجتمعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة وخارجها في أعقاب مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة في مينيابوليس أن العودة إلى الوضع السابق ليست جيدة بما يكفي بالنسبة إلى كثيرين. وفي هذا الإطار، تقدم فولا أكينيبي تقريراً عن كفاح سينسيناتي الطويل لإصلاح قوات الشرطة، ما يشير إلى قصور المؤسسات حتى في مواجهة الجهود المستمرة للتغيير.لم تتحقق التنبؤات المبكرة بفناء المدن بسبب “كوفيد”، إذ صمدت أمام كوارث أسوأ، بما في ذلك الموت الأسود وعمليات الحصار والقصف. لكن الإيجارات وأسعار المنازل واصلت الارتفاع في عديد من المناطق الحضرية. وقد نزع سكان الأرض إلى التمدن بشكل مطرد منذ عقود، وهو اتجاه يتجلى بشكل خاص في الصين، أكثر دول العالم اكتظاظاً بالسكان. لذلك، زار مراسلو “بلومبرغ” مناطق حضرية ضخمة في مدن أوردوس وتيانجين وتشنغتشو التي وُصفت بأنها “مدن أشباح” لمعرفة ما إذا كان هذا اللقب مستحقاً أم لا، غير أنهم وجدوا علامات على صمود تلك المدن في وجه الوباء.كما لم يهزم “كوفيد” تقليداً قديماً قِدَم المدن ذاتها تقريباً، ألا وهو الأحلام الطوباوية. فوفقاً لتقرير جوشوا بروستين، يخطط رائد الأعمال في مجال التكنولوجيا، مارك لور، لبناء مدينة تتسع لخمسة ملايين مواطن من الصفر في الغرب الأمريكي. وإذا لم يكن ذلك طموحاً بدرجة كافية فإن لور يرى أيضاً أن المدينة تنقذ الرأسمالية من نفسها.ومع تفشي عدم المساواة، يوجد كثير يستوجب التغيير في المدن التي صمدت أمام الوباء، ولكن هناك أيضاً قدر كبير من التغيير الجدير بالتقدير. من بيروت، تعرّفنا لين نويهض على المواطنين المتطوعين الذين احتشدوا، وسط الشلل الحكومي، لإصلاح المدينة بعد انفجار هائل في المرفأ في أغسطس 2020. لقد حافظوا على تراث المدينة المعماري وجذور سكانها العاطفية الضاربة في عمق أحيائها.ويُعَدّ هذا الصمود بمثابة نموذج يُحتذى، وذلك ليس فقط في الدول التي تعاني من مشكلات سياسية واقتصادية ضخمة مثل لبنان، فقد شهد هذا الصيف جفافاً ضرب البرازيل، واندلعت حرائق غابات في اليونان، فيما ضرب إعصار “إيدا” ساحل خليج الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار يشكل التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة قراءة مرعبة، إذ ارتفعت درجات الحرارة العالمية بشكل أسرع خلال الفترة بين عامَي 1970 و2020 مقارنة بأي فترة أخرى مدتها 50 عاماً على مدى 2000 عام على الأقل، وتغير المناخ بفعل الإنسان “أصبح بالفعل يؤثر في عديد من الظواهر الجوية والمناخية المتطرفة في جميع البلاد حول العالم”. لقد أصبح تغير المناخ واقعاً، ولن تُترك أي مدينة كما هي، كما توضح دوروثي غامبريل في رسومها البيانية. لكن تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) ينطوي أيضاً على استنتاج آخر مفاده أنه لم يفت الأوان بعدُ لإنقاذ كثير مما نعتز به.