أنجزت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بيانها الوزاري في وقت قياسي لم يتخط الثلاثة أيام.
وهذا الإنجاز لاقى ترحيبا من الوسط السياسي والإقتصادي على الرغم من بعض النقاط التي لم يتمّ حسمها إلا في جلسة الإقرار أمس في قصر بعبدا ، منها على سبيل المثال موضوع إعادة هيكلة القطاع المصرفي حيث تم الاتفاق على اعتماد الصيغة الاتية” وضع خطة لإصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته حيث يلزم وتنشيط الدورة الاقتصادية بما يساهم في تمويل القطاع الخاص بفوائد مشجعة مع إعطاء الأولوية لضمان حقوق وأموال المودعين”.
فما الفرق بين التعبيرين ولماذا استخدام مصطلح إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وهل التعبير يضرّ بحقوق المودعين؟
يقول الباحث الإقتصادي البروفسور جاسم عجاقة لـ ” لبنان 24″ : “في لغة الأسواق المالية، هناك ثلاث عبارات تعني الشيء نفسه وهي: إعادة الهيكلة، وقف دفع الديون، والإفلاس.
ومن هذا المنطلق، فإن إستخدام عبارة إعادة هيكلة القطاع المصرفي تعني إفلاس هذا القطاع وهو ما يعني بحسب القانون اللبناني إعفاء المصارف اللبنانية من التزاماتها تجاه المودعين بحكم الإفلاس وبالتالي يُعوّض على كل حساب بـ 75 مليون ليرة لبنانية بحسب القانون. من هنا تأتي أهمية عدم الحديث عن إعادة الهيكلة”.
ويُضيف عجاقة “أسباب إعادة هيكلة المصارف بحسب الأسواق المالية تأتي نتيجة الأسباب التالية: (1) البحث عن حجم كبير وبالتالي سلطة في السوق، (2) البحث عن الفعالية وخفض الكلفة، و(3) الخروج من أزمة تعصف بالمصرف أو المصارف (مالية…).
وتأخذ الهيكلة عدة أشكال منها ما هو مالي ومنها ما هو قانوني. أما الاصلاح وإعادة التنظيم فهي الكلمة الأنسب في حال القطاع المصرفي اللبناني نظرًا إلى أنها تحمي المصارف من الإفلاس (الإرادي) وتحفظ إلتزامات المصارف تجاه المودعين.
وبالتالي إذا كان هناك من تعديل في الهيكلية المالية أو إن هناك ضرورة لخروج مصارف من السوق، فإن هذه العملية تتم في إطار تنظيمي أعطى قانون النقد والتسليف صلاحيات القيام بها لمصرف لبنان”.
هذا الأمر، بحسب عجاقة، لا يعني إعفاء المرتكبين في هذا القطاع من المساءلة. لكن الواقع السياسي يفرض نفسه في هذا الامر، وبالتالي يتوجّب على حكومة الرئيس ميقاتي أخذ مصلحة المودعين في أي عملية تنظيمية في هذا القطاع نظرًا إلى أن أموال المودعين هي داخل المصارف اللبنانية.
فوقف دفع سندات اليوروبوندز ضرب المودعين بالدرجة الأولى نظرًا إلى أن أكثر من 80% من دين الدولة بالعملة الصعبة هي من أموال المودعين وبالتالي، فإن تأثير إعادة هيكلة الدين العام ستكون قوية على القطاع المصرفي في حال تمّ اعتماد مبدأ الهيركات على سندات الخزينة! ومن هنا يتوجّب على حكومة “معاً للانقاذ” الإنتباه لهذه النقطة التي ستكون تداعياتها كبيرة على المودعين.
والجدير ذكره أن البيان الوزاري أتى على ذكر اعادة هيكلة الدين والتفاوض مع المقرضين تحت مظلة برنامج صندوق النقد الدولي. وبالتالي يرى عجاقة في عملية التفاوض مع المقرضين نقطة إيجابية تجاه حفظ حقوق المودعين.
يذكر أن حكومة الرئيس حسان دياب كانت طرحت في خطتها الإقتصادية عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي من خلال تصفير رأسمال المصارف وخلق خمسة مصارف جديدة برأسمال 200 مليون دولار كل مصرف. وهو ما اعتبرته الأسواق ضربة للقطاع المصرفي الذي رفض بدوره خطة حكومة دياب بكاملها.
اليوم تتجه الأنظار نحو حكومة الرئيس ميقاتي لمعرفة توجهاتها في هذا الموضوع الذي يتوقع عجاقة أن يكون توجهه أكثر نحو الدمج بين المصارف وحتى خروج بعضها من السوق مع الحفاظ على الودائع، وهذا هو التحدي الاهم الذي لن يقبل الرئيس ميقاتي، وفق ما قال امام الوزراء خلال النقاش بالبيان الوزاري، التفريط به، لا بل يعتبره خطا احمر ممنوع تجاوزه.