فيما تتعرض مختلف المناطق والممتلكات العامة في أفغانستان لحالة من الفوضى، بسبب التحولات السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد مع سيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم، لاحظ تجار ومختصون بتداول المجوهرات والقطع النادرة وصول كميات كبيرة من الحُلي الأفغانية إلى السوق السوداء الإيرانية.
القطع الثمينة التي تصل من أنحاء أفغانستان إلى إيران، الجارة الغربية، منها ما هو شخصي، باعته العائلات الأفغانية الميسورة لتجنب سرقتها أثناء حالة الفوضى أو لمبادلتها ببعض السلع والخدمات مثل الحصول على فرصة للفرار، ومنها أيضا مجوهرات عامة، مثل الميداليات والأوسمة والهدايا الثمينة التي كانت قد حصلت عليها المؤسسات والشخصيات السياسية والعامة في البلاد طوال العقدين الماضيين، وكانت مملوكة للوزارات والدوائر العامة.
أيوب نزاري واحد من تجار المجوهرات في السوق القديمة والشهيرة بمدينة مشهد الإيرانية القريبة من الحدود مع أفغانستان، تحدث لموقع “سكاي نيوز عربية” عن طبيعة المداولات التي تجري حاليا بشأن المجوهرات الأفغانية المهربة إلى داخل إيران.وقال نزاري: “هناك نوعان من المجوهرات الأفغانية التي يمكن مشاهدتها في الأسواق الإيرانية: الأول هو الذهب والحُلي الحديثة التي تأتي بكميات كبيرة وتباع دون سعر السوق العالمية بحوالي 20 بالمئة. من الواضح أن الكثير من العائلات الأفغانية التي وصلت إلى إيران لم تحمل إلا ممتلكاتها الذهبية، وهي تقبل تلك النسبة من الخسارة حتى لا تتعرض لدورة المساءلة التقليدية التي يفرضها الأمن الإيراني على بائعي الذهب للتأكد من مصدر المجوهرات المباعة”.وتابع: “النوع الثاني هو المجوهرات التقليدية التي كانت تشتهر بها أفغانستان منذ آلاف السنين، التي نسميها في إيران بمجوهرات (تيله تبيه). كانت تملكها العائلات الإقطاعية والأرستقراطية الأفغانية منذ قرون، وكانت تُشترى وتُهرّب إلى خارج البلاد أثناء حدوث التبدلات السياسية وما يرافقها من فوضى أمنية. هذه الحُلي ذات قيمة عالية جدا لما بالنظر إلى المكانة الاجتماعية المميزة لمالكها”.و”يصعب إيصال هذه المجوهرات إلى القارة الأوروبية، السوق التي تتلهف للحصول عليها، لأنها بشكل ما تعتبر قطعا أثرية، إلا أن الحلي والمجوهرات الأفغانية راهنا منتشرة في الأسواق الإيرانية، لكن ثمة كتمانا شديدا بشأنها خشية مصادرتها من جانب السلطات” وفق نزاري.وانتشرت عروض المجوهرات الأفغانية على وسائل التواصل الاجتماعي في إيران، إذ أن الكثيرين غير معروفي الهوية يعرضون صورا لها، لكن متابعين يعتقدون أن الإعلانات إما محاولات تصيد احتيالية، أو مناورات من الأمن الإيراني لاكتشاف شبكة التجار العاملين في هذا القطاع.موقع “صوت التراث” الإيراني، أورد تقريرا تفصيليا عن واحدة من شحنات المجوهرات الأفغانية التي دخلت الأراضي الإيرانية ووصلت لمدينة مازدران، قبل شهر واحد من سقوط مدينة كابل في قبضة حركة طالبان، حيث كانت المؤسسات العامة بما في ذلك المتاحف تتعرض لعمليات نهب منظمة.الموقع ذكر أن “الشحنة كانت تضم قلائد وأحزمة ذهبية، وعددا كبيرا من النياشين والخواتم المرصعة بالأحجار الكريمة”، وقال إن تاجرا إيرانيا اشترى الشحنة بأكثر من ربع مليون دولار، فيما سيبيعها بسعر أعلى لتجار أجانب صاروا يترددون على إيران للتنافس عليها.ومنذ أواخر السبعينات، اشتهرت أفغانستان كقطب للمجوهرات التاريخية التقليدية، بعد اكتشاف عشرات آلاف قطع الحُلي في المدافن الملكية الفارسية القديمة شمالي البلاد.وانتشرت هذه المجوهرات التاريخية في الأسواق العالمية بالتتابع، تماشيا مع حالات الفوضى المتعاقبة التي توالت على أفغانستان وفشل السلطات الحكومية في السيطرة على شبكات الاستيلاء والتهريب، التي كان الكثير من أعضائها قيادات في جماعات وفصائل مسلحة أثناء سنوات العنف والحرب.وكان وزارة الثقافة الأفغانية في الحكومة السابقة قد حذرت قبل 3 أشهر من سقوط البلاد بيد طالبان، من الفوضى التي تجتاح الممتلكات العامة، بالذات المتاحف والصناديق المالية والأماكن الأثرية، التي بدأت تشهد عمليات حفر غير رسمية.وكانت طالبان قد قالت في وقت سابق وفي بيان رسمي، إن “تهريب القطع الأثرية التاريخية محظور في البلاد وإنها ستتخذ إجراءات قانونية ضد المتورطين في سوق التهريب”، ومع ذلك لا تزال الحركة غير قادرة على حماية المواقع التاريخية في أفغانستان بشكل كامل، وسط شكوك كبيرة حول شراكة كبار قادة طالبان مع زعماء التجارة والتهريب.