سوق الإسكان العالمية محطمة وتعاني من ارتفاع الأسعار

21 سبتمبر 2021
سوق الإسكان العالمية محطمة وتعاني من ارتفاع الأسعار

تجبر أسعار العقارات المرتفعة الناس في جميع أنحاء العالم على التخلي عن كلِّ أمل في امتلاك منزل، وتُزلزل التداعيات الحكومات من جميع الانتماءات السياسية.عزز وباء كورونا هذه الظاهرة، ولا يقتصر الأمر على المشترين فقط، إذ ارتفعت الإيجارات أيضاً في العديد من المدن، والنتيجة هي أنَّ القضية الأبدية المتعلِّقة بتكاليف الإسكان أصبحت قضية عدم مساواة حادة في الإسكان، ويتعرَّض جيل بأكمله لخطر التخلف عن الركب.

يقول مايكل مولر، عمدة برلين: “نشهد عزل قطاعات من المجتمع عن أجزاء من مدينتنا، لأنَّهم لم يعودوا قادرين على تحمُّل تكاليف الشقق.. وهذا هو الحال في لندن وباريس وروما، وحالياً للأسف بشكل متزايد في برلين”.أزمة القرنهذا الإقصاء يجعل من قطاع الإسكان خط صدع جديد في السياسة بشكل سريع، وهو خط له تداعيات لا يمكن التنبؤ بها، ووصف رئيس نقابة “فيردي” الألمانية الإيجار بأنَّه أزمة القرن الواحد والعشرين المشابهة لأزمة سعر الخبز التي كانت محرِّكاً تاريخياً للاضطرابات الاجتماعية.

ويُلقي الساسة بكل أنواع الأفكار حول المشكلة، بدءاً من تحديد سقفٍ للإيجارات، مروراً بالضرائب الخاصة على ملَّاك العقارات، وتأميم الممتلكات الخاصة، ووصولاً إلى تحويل مساحات المكاتب الشاغرة إلى مساكن، ولا يوجد دليل في أيِّ مكان على حلٍّ سهل أو مستدام.مشكلة عالميةفي كوريا الجنوبية، تعرَّض حزب الرئيس، مون جاي إن، لهزيمة في انتخابات البلدية العام الجاري بعد فشله في معالجة زيادة بنسبة 90% في متوسط سعر الشقق السكنية في سيول منذ توليه المنصب في مايو 2017، وحذَّر مرشح المعارضة الرئيسي لانتخابات الرئاسة العام المقبل من انهيار محتمل في سوق الإسكان مع ارتفاع الفائدة.وكثَّفت الصين القيود على قطاع العقارات العام الجاري، وتتزايد التكهنات بفرض ضريبة على العقارات لخفض الأسعار، وبلغت تكلفة شقة في شينزين، مكافِئة سيليكون فالي في الصين، 43.5 ضعف متوسط راتب المقيم، وفقاً للبيانات المعدلة في يوليو، وهو تفاوت يساعد في تفسير حملة الرئيس، شي جين بينغ، من أجل “الرخاء المشترك”.أما في كندا، وعد رئيس الوزراء، جاستن ترودو، بفرض حظر لمدَّة عامين على المشترين الأجانب في حالة إعادة انتخابه.أرقام قياسيةدفع الوباء سوق الإسكان العالمية إلى تسجيل أرقام قياسية جديدة على مدار الـ 18 شهراً الماضية نتيجة التقاء عدَّة عوامل، مثل: معدلات الفائدة المنخفضة للغاية، وندرة إنتاج المساكن، والتحوُّلات في الإنفاق الأسري، والعدد الأقل من المنازل المعروضة للبيع، و برغم أنَّ ذلك نعمة للمالكين الحاليين، إلا أنَّ المشترين المحتملين يجدون صعوبة أكبر في دخول السوق.ما نشهده هو “حدث كبير لا ينبغي غض الطرف عنه أو تجاهله”، بحسب ما كتبه دون لايتون، المدير التنفيذي السابق لعملاق الرهن العقاري الأمريكي “فريدي ماك”، في تعليق للمركز المشترك لدراسات الإسكان بجامعة هارفارد.في الولايات المتحدة، حيث ارتفعت أسعار المنازل الاسمية بأكثر من 30% عن ذروتها السابقة في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تهدِّد السياسات الحكومية التي تستهدف تحسين القدرة على تحمُّل التكاليف والترويج لامتلاك منازل بتغذية الارتفاع في الأسعار، مما يُبعد المشترين لأول مرة أكثر، بحسب ما قال لايتون.أحلام تذهب مع الريحوالنتيجة، سواء في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر، هي اتساع الفجوة بين جيل الطفرة السكانية، الذين من المرجح إحصائياً امتلاكهم المنازل، وجيل الألفية وجيل “زي” الذين يراقبون أحلامهم في الشراء تذهب مع الريح.وقد تزرع ديون الإسكان الحالية بذور الأزمة الاقتصادية التالية، إذا بدأت تكاليف الاقتراض في الارتفاع، وصنف نيراج شاه من “بلومبرغ إيكونوميكس” الدول الأكثر تعرُّضاً لخطر حدوث فقاعة عقارية، ويقول، إنَّ مقاييس المخاطر “تومض بإشارات تحذيرية” بشدة لم نشهدها منذ الفترة التي سبقت الأزمة المالية لعام 2008.وفي البحث عن حلول، يتعيَن على الحكومات محاولة تجنُّب معاقبة المستأجرين أو أصحاب المنازل، وهي مهمة لا تُحسد عليها.وانهارت الحكومة السويدية في يونيو بعد أن اقترحت تغييرات للتخلي عن الضوابط التقليدية، والسماح للسوق بتحديد المزيد من الإيجارات.انتفاضة اجتماعيةفي برلين، ألغت المحكمة محاولة لترويض الزيادات في الإيجارات، وجمع النشطاء ما يكفي من التوقيعات لفرض استفتاء على مصادرة الممتلكات من كبار الملَّاك من القطاع الخاص، وسيجري التصويت على الاقتراح في 26 سبتمبر، وأعلنت حكومة المدينة يوم الجمعة أنَّها ستشتري ما يقرب من 15 ألف شقة من اثنين من كبار مالكي العقارات مقابل 2.46 مليار يورو (2.9 مليار دولار) لزيادة المعروض.حتى أنَّ أنتوني براك من مركز الأبحاث “سنتر فور سيتيز” طرح حجة تربط بين الإسكان وتصويت بريطانيا عام 2016 على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وخلُص إلى أنَّ اللامساواة في الإسكان “تشوش سياستنا”.وكما تظهر هذه القصص من جميع أنحاء العالم، فهذه وصفة للانتفاضات الاجتماعية.الأرجنتينمع بلوغ معدل التضخم السنوي نحو 50%؛ فإنَّ ارتفاع الأسعار ليس غريباً على أبناء الأرجنتين، لكن بالنسبة لسكان بوينس آيرس مثل لوسيا تشولاكيان؛ فإنَّ زيادة الإيجارات تضيف ضغوطاً اقتصادية، ومعه سخط على السياسة.مثل الكثيرين خلال الوباء، انتقلت الكاتبة البالغة من العمر 28 عاماً، والأستاذة الجامعية مع شريكها من شقة في وسط المدينة إلى حي سكني بحثاً عن مساحة أكبر، وفي العام الذي مر منذ ذلك الحين، تضاعف إيجارها أكثر من ثلاثة أضعاف جنباً إلى جنب مع الفواتير التي تلتهم حوالي 40% من دخلها، وهذا يحول دون الادخار لشراء منزل.قالت: “لن نتمكَّن من التخطيط للمستقبل، مثلما فعل آباؤنا مع حلمهم بامتلاك منزل.. والنتيجة هي أنَّ الإيجار والشراء والممتلكات بشكلٍ عام أصبحت بشكل متزايد مشكلة حاضرة لجيلنا من الناحية السياسية”.ضوابط مثيرة للجدليهدف التشريع الذي أقره تحالف الرئيس، ألبرتو فرنانديز، إلى منح حقوق أكبر للمستأجرين مثل تشولاكيان، وبموجب القواعد الجديدة؛ تمَّ حالياً تمديد العقود التي كانت تقليدياً لمدة عامين إلى ثلاثة، وبدلاً من تحديد الملاك للأسعار، أنشأ البنك المركزي مؤشراً يحدِّد مقدار ارتفاع الإيجار في العامين الثاني والثالث.وأثبت التشريع أنَّه مثيرٌ للجدل بشكلٍ كبير مع وجود أدلة على رفع بعض مالكي العقارات الأسعار بشكلٍ مفرط في وقت مبكر لمواجهة حالة عدم اليقين بشأن الزيادات المنظمة في وقت لاحق، ويقوم الآخرون ببساطة بإخراج العقارات من السوق، وأدى تجميد الإيجار بسبب الوباء، والذي فرضته الحكومة إلى تفاقم الضغط.وانخفضت قوائم تأجير الشقق في مدينة بوينس آيرس بنسبة 12% العام الجاري مقارنة بالمتوسط في عام 2019، وانخفضت بنسبة 36% في المنطقة المحيطة بالمدينة الكبرى، وفقاً للموقع العقاري “زونا بروب”.الأوضاع زادت سوءاًقالت ماريا يوجينيا فيدال، المحافظة السابقة لمقاطعة بوينس آيرس، وإحدى الشخصيات المعارضة الرئيسية في المدينة، إنَّ القانون “كانت له نوايا حسنة، ولكنَّه زاد من سوء المشكلة، سواء بالنسبة لأصحاب العقارات أو المستأجرين”، وتخوض يوجينيا انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر أمام الاقتصادي، مارتن تيتاز الذي يتعهد بإلغاء التشريع.قال تيتاز عبر الهاتف: “الأرجنتين بلد عدم اليقين”، لكن مع قواعد الإسكان “أصبح الأمر أكثر غموضاً الآن من ذي قبل”.أقرَّت تشولاكيان، التي صوتت لصالح فرنانديز في عام 2019، بأنَّ إصلاح الإيجارات معيب، لكنَّها تدعم أيضاً منح المزيد من السلطة للمستأجرين بعد الركود الممتد الذي قضى على الدخل.وإذا كان هناك أي شيء مطلوب، فهي تقول، إنَّ هناك حاجة إلى مزيد من التنظيم لتحقيق التوازن بين طمأنة الملَّاك وجعل الإيجار ميسور التكلفة.وتقول: “إذا لم يفعلوا شيئاً للسيطرة على هذا في مدينة بوينس آيرس، فلن يتبقَّى سوى الأثرياء”.أستراليابصفته ابن الجيل الأول من المهاجرين من رومانيا، ينبغي أن يعيش أليكس فاغاراسان الحلم الأسترالي، وبدلاً من ذلك؛ فهو يشكُّ في آفاقه على المدى الطويل.يفضِّل فاجاراسان، وهو طبيب صغير يبلغ من العمر 28 عاماً، ويعمل في مستشفى حضري كبير، البقاء في ملبورن بالقرب من والديه، لكنَّ الأسعار تجبره على الخروج من مدينته، ويواجه حالياً حقيقة أنَّه سيتعيّن عليه الانتقال إلى بلدة إقليمية للحصول على موطئ قدم في سوق العقارات.بعد ذلك، وفي حال سير الأمور على ما يرام، سيصبح أليكس في غضون ثماني سنوات أخرى متخصصاً وقادراً على شراء منزل في ملبورن.ومع ذلك؛ فهو يعلم أنَّه أحد المحظوظين، إذ إنَّ أصدقاءه الذين ليسوا أطباء “ليس لديهم فرصة” لامتلاك منزل على الإطلاق، وقال: “سيكون جيلي هو أول جيل في أستراليا يؤجِّر لبقية حياته”.ويستأجر فاجاراسان حالياً منزلاً حديثاً يتكوَّن من غرفتي نوم، مع منزلين آخرين في ضاحية نورثكوت الداخلية، وتمَّ تحويل ركن الدراسة إلى غرفة نوم مؤقتة لخفض التكاليف، وينفق حوالي 30% من راتبه على الإيجار، ويصفه بـ”الباهظ”.معارك سياسيةوأعلنت حكومة رئيس الوزراء، سكوت موريسون، المحافظة عن “خطة شاملة لتحسين تحمُّل تكاليف الإسكان” كجزء من موازنة 2017-2018، بما في ذلك 1 مليار دولار أسترالي (728 مليون دولار) لتعزيز المعروض، لكن لم تنجح الخطة في ترويض الأسعار.ولم يكن أداء حزب العمل المعارض أفضل بكثير، واقترح إغلاق ثغرة ضريبية مربحة للاستثمار السكني في الانتخابات الأخيرة في عام 2019، وهي سياسة كان من المحتمل أن تؤدي إلى انخفاض أسعار المساكن، لكنَّها أشعلت شرارة هجرة جماعية من الناخبين أصحاب المنازل إلى الليبراليين الحاكمين، وربما ساهمت في خسارة حزب العمال في الانتخابات.وتلقن الجميع الدروس السياسية، ولا يرى فاغاراسان الكثير من المساعدة فيما يتعلَّق بالإسكان من أيِّ شخص يفوز في الانتخابات الفيدرالية العام المقبل، فبعد كل شيء، يحكم حزب العمال بالفعل ولاية فكتوريا، وعاصمتها ملبورن.يقول: “لا أشعر أنَّ أياً من الحزبين الرئيسيين يمثِّلان صوت جيل الشباب”.وهو شعور يشاركه فيه ’بن ماثيوز’، وهو مدير مشروع يبلغ من العمر 33 عاماً في إحدى جامعات سيدني، والذي ينتقل للعيش مرة أخرى مع والديه بعد أن أمرهم صاحب المنزل الذي شاركه مع ثلاثة آخرين بالخروج منه، وهي تجربة يقول، إنَّه وجدها مخيبة للآمال ومرهقة خاصة أثناء الوباء.سيساعده البقاء مع والديه على الأقل على الادخار في وديعة لشراء شقة بغرفة نوم واحدة، ولكن حتى ذلك أقل من خطته الأصلية لشراء منزل من غرفتي نوم حتى يتمكَّن من استئجار الغرفة الأخرى، ويقول، إنَّ زيادات الإيجارات “جنونية للغاية”.ويقول: “قد لا نحصل على الزخم السياسي لإجراء التغييرات إلا بعد حدوث شيء ما”.