أصبحت إمدادات الطاقة في المملكة المتحدة وأوروبا أكثر هشاشة لأسباب تقنية أهمها الاعتماد على الرياح ومصادر طاقة أخرى غير منتظمة، وأسباب سياسية في مقدمتها الاعتماد على روسيا.ففي تقرير نشرته صحيفة “الإندبندنت” (Independent) البريطانية، يقول الكاتب هاميش ماكراي إنه على الرغم من سرعة انتقال المملكة المتحدة نحو المصادر البديلة لتوليد الطاقة، فإنها ستظل بحاجة إلى الغاز كوقود احتياطي.
ويرى الكاتب أن المملكة تعاني مشكلات عدة تفسر أزمة الطاقة، إذ تفتقر إلى ما يكفي من المنشآت لتخزين الغاز، كما أن هناك عقبات كثيرة أمام بناء محطات جديدة للطاقة النووية.مشكلات الطاقة في أوروباويضيف الكاتب أن هذه “الفوضى” لا تقتصر على المملكة المتحدة، بل تشمل أوروبا ومناطق أخرى، فإذا سافرت إلى بعض المناطق ذات الاقتصادات الناشئة، عليك أن تتوقع انقطاع التيار الكهربائي في أي وقت، وهو ما يجعل العديد من هذه الدول تعتمد على المولدات الاحتياطية، لكنك لن ترى ذلك في دول العالم المتقدم.
بدأت المملكة المتحدة أخيرا تشغيل كابل طاقة قادم من النرويج، وهو أطول كابل كهرباء تحت الماء في العالم، وتتمثل الفكرة في جلب الطاقة الكهرمائية النظيفة من النرويج وتصدير طاقة الرياح النظيفة من المملكة المتحدة.لكن إحدى المشكلات التي عرقلت المشروع هي أن النرويج شهدت حالة جفاف أدّت إلى انخفاض الطاقة المخزنة إلى أدنى مستوياتها منذ 10 أعوام، ولن يقتصر الأمر على محدودية الصادرات فحسب، بل ستواجه دول الشمال فواتير طاقة عالية جدا، تبلغ 5 أضعاف المستوى الذي كانت عليه العام الماضي.وحسب الكاتب، فقد تقدمت ألمانيا خطوات كبيرة في التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة، لكن الفحم العادي والفحم البني وفرا أكثر من ربع احتياجاتها في النصف الأول من العام الجاري، وسيكون من الصعب خفض هذه النسبة عندما تغلق الدولة محطاتها النووية المتبقية.أما في فرنسا -الدولة التي راهنت بشكل كبير على الطاقة النووية- فقد وفرت الطاقة النووية العام الماضي 70% من احتياجات البلاد من الطاقة الكهربائية، وهي أعلى نسبة في العالم، لكن السعة الإجمالية لعمليات الإنتاج لم ترتفع منذ عام 1999، وهي أقل قليلا الآن مما كانت عليه في ذلك الوقت.وفي إيطاليا يوفر الوقود الأحفوري أكثر من 60% من الطاقة الإنتاجية، ويشكل الغاز المستورد النسبة الأكبر في هذا المزيج.الحاجة إلى روسيايشير الكاتب إلى أن هناك جدلا كبيرا في أوروبا بشأن استكمال ألمانيا بناء خط أنابيب الغاز الجديد القادم من روسيا أسفل بحر البلطيق، ويُعرف بمشروع “نورد ستريم 2″، حيث يتساءل المراقبون عما إذا كان هذا الخط سيجعل أوروبا أكثر حاجة إلى روسيا، أم العكس.ويرى كثير من الخبراء أن روسيا يمكنها الآن استخدام الطاقة بشكل أكثر فاعلية كسلاح ضد أوروبا، وهذا يجعل إمدادات الطاقة في المملكة المتحدة وأوروبا أكثر هشاشة وعرضة للمخاطر.وعدا عن العوامل السياسية، فإن هناك أسبابا فنية تدعو للقلق -وفقا للكاتب- إذ تعتمد أوروبا على الرياح ومصادر أخرى غير منتظمة، وتعاني المملكة المتحدة مشاكل تنظيمية، وتواجه فرنسا صعوبات في بناء محطات طاقة نووية جديدة، في حين ترفض ألمانيا كليا الاعتماد على الطاقة النووية.ويعتقد الكاتب أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن هذه المشكلات التي تمر بها أوروبا تأتي في وقت بدأ فيه الاقتصاد العالمي الخطوات الأولى من التحول الهيكلي نحو التخلي عن الوقود الأحفوري والوصول إلى الحياد الكربوني.وهذا التحول قد تعيقه عراقيل كثيرة، فمع الاندفاع نحو الاعتماد على السيارات الكهربائية -على سبيل المثال- لن تتمكن المملكة المتحدة من توليد الكهرباء الكافية لتشغيلها.ويختم الكاتب بأن أقرب الأزمات المتوقعة في الشتاء القادم هي انقطاع التيار الكهربائي في ظل زيادة الطلب على الطاقة للتدفئة، بخاصة إذا لم توفر الرياح الطاقة الكافية.