على مدار نحو نصف قرن شهد العالم أكثر من أزمة في قطاع الطاقة، كان لها أثر واضح في الاقتصاد، ودفعت للتفكير في ضرورة توفير مصادر بديلة للنفط والغاز.فأزمات الغاز الطبيعي ونقص إمدادات الكهرباء وارتفاع أسعار النفط التي يعيشها العالم منذ أسابيع لم تكن الأولى ويبدو أنها لن تكون الأخيرة.
1973.. حرب أكتوبر وحظر “أوبك”
ـ مطلع السبعينيات زاد استهلاك الطاقة مع زيادة النشاط الصناعي، وبدأ إنتاج النفط المحلي بالولايات المتحدة في التراجع مع ارتفاع الطلب، لكن لم يقلق الأميركيون من تراجع الإنتاج لإمكانية الاستيراد من الشرق الأوسط.ـ تسببت حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973 بين مصر وإسرائيل في توقف صادرات النفط في الشرق الأوسط.ـ قررت الدول الأعضاء في منظمة أوبك الرد على الانحياز الأميركي لإسرائيل، فقررت قطع الصادرات النفطية عن الدول الداعمة للدولة العبرية في حربها ضد الجيوش العربية.
ـ أدى قرار المقاطعة الذي اتخذته منظمة أوبك إلى تضاعف أسعار النفط في الأسواق العالمية 4 مرات في 4 أشهر، ليرتفع من 2.32 دولار للبرميل الواحد إلى 9 دولارات.ـ واجهت البلدان الصناعية الكبرى في العالم، ولا سيما الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الغربية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا، نقصًا كبيرًا في المعروض من الطاقة وزيادة أسعار الخام من 3 دولارات إلى 12 دولارا للبرميل.ـ آذار 1974: رفعت أوبك حظر تصدير النفط بعد مفاوضات أجريت في مؤتمر قمة النفط بالعاصمة الأميركية واشنطن.ـ كانت فرنسا من أكثر الدول الغربية التي وجدت نفسها غارقة في مرحلة من الكساد الذي ضرب مختلف القطاعات الاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى أزمات اجتماعية مركبة بسبب ارتفاع معدلات التضخم وتفاقم البطالة.ـ في سنة 1975 وصل عدد العاطلين عن العمل إلى 500 ألف شخص، وهي أرقام غير مسبوقة في فرنسا التي ظلت تحقق التشغيل الكامل.ـ تفاقمت الأوضاع الاقتصادية حتى تجاوز عدد العاطلين عن العمل عتبة المليون سنة 1977 والمليونين سنة 1981، قبل أن يقفز عدد العاطلين في فرنسا إلى 3 ملايين شخص سنة 1993.ـ كانت أزمة الطاقة ضربة قوية للاقتصاد الأميركي، وكان أكبر أثر لها في صناعة السيارات، ورغم انتهاء الحظر في عام 1974، فإن الأسعار ظلت مرتفعة، وظلت آثار الأزمة ملموسة طوال عقد السبعينيات.1979.. ثورة إيران وأزمة طاقة جديدةـ عام 1979: اندلعت الثورة الإيرانية مما تسبب في نشوب أزمة طاقة جديدة وركود اقتصادي في العديد من البلدان مع ارتفاع أسعار النفط.ـ تضاعفت أسعار النفط في الأسواق العالمية أكثر من 3 مرات مقارنة بمعدل الأسعار المعمول به في سنة 1973.ـ تسببت تلك الصدمة النفطية الثانية في تكبيد فرنسا خسائر فادحة على صعيد ميزانها التجاري، حيث كانت باريس وقتها تستورد 3 أرباع حاجياتها من الطاقة.ـ الآثار المترتبة على أزمة الطاقة استمرت لفترة، كما واصلت أسعار الطاقة نسقها التصاعدي، وتزامن ذلك مع تراجع الموقف التنافسي للدولار في الأسواق العالمية.العاصفة الكاملة (2000 ـ 2008)ـ بعد أزمة الطاقة في السبعينيات، استقر سعر النفط عند 25 دولارا للبرميل، واستمر الاستقرار حتى مطلع الألفية.ـ عام 2000: بدأت تتصاعد أزمة الطاقة في الغرب، التي عرفت بـ”العاصفة الكاملة” وتطورت على مدار 5 أعوام، ونتجت عن ضعف الاستثمارات في إنتاج الطاقة، وأرجع البعض سببها إلى عوامل جيوسياسية.ـ لم تظهر ملامح الأزمة في شمال غرب الولايات المتحدة إلا في شتاء عام 2000 وربيع 2001.ـ كانت آثار الأزمة واضحة في مختلف أنحاء العالم خلال الأزمة المالية عام 2008، عندما وصلت أسعار النفط إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق حيث وصل سعر البرميل إلى 147 دولارا في تموز 2008.ـ علاوة على ذلك، كان تراجع قيمة الدولار وزيادة الطلب على النفط في الصين، والتوترات السياسية المرتبطة بكوريا الشمالية، وأيضا التوتر في الشرق الأوسط، عوامل أسهمت في ارتفاع سعر الخام بدرجة لم يتحملها الاقتصاد العالمي.ـ وصلت الأزمة لنهايتها في كانون الأول 2008، عندما دخل الاقتصاد العالمي في ركود، وهوت أسعار الخام من 147 إلى 32 دولارا للبرميل.أميركا الشمالية.. أزمة الغازـ من عام 2001 وحتى 2005: انخفض إنتاج الغاز الطبيعي في قارة أميركا الشمالية مما تسبب في ارتفاع أسعاره في وقت زاد فيه الطلب على توليد الكهرباء.ـ عام 2006: زيادة بشكل طفيف في إنتاج الغاز الطبيعي لكنها لم تكن كافية لإنهاء الأزمة.ـ عام 2008: بدأت بوادر الأزمة المالية العالمية وما تلاها من طلب على استيراد الغاز الطبيعي المسال.ـ بعدها هدأت الأزمة في ظل زيادة في إنتاج الغاز الطبيعي، واكتشاف احتياطيات مؤكدة في بعض مناطق القارة، مما أسهم في وقف الاستيراد.الأرجنتين.. “الكساد الكبير”ـ عام 1982: بدأت بوادر اقتصادية في الأرجنتين تصاعدت حدتها رويدا رويدا.ـ مطلع عام 2002: بلغت الأزمة ذروتها، وعرفت باسم “الكساد الكبير بالأرجنتين”.ـ عام 2002: بدأ الاقتصاد في التعافي وزاد الطلب على الطاقة نتيجة زيادة الطلب على السلع، ولم يستطع الاقتصاد الأرجنتيني الوفاء بالزيادة.ـ عام 2004: كانت البلاد تعمل بكامل طاقتها من دون وجود احتياطيات من الطاقة للطوارئ، ولم تتمكن من الوفاء بالطلب المتزايد.ـ تعرضت صناعات كبيرة تعتمد على الغاز في الإنتاج إلى انقطاعات، وصلت إلى 30% يوميا، ولجأت الحكومة إلى تقليص تصدير الغاز مما خفف الأزمة بالتدريج.كاليفورنيا.. أزمة الكهرباءـ بين نيسان وكانون الأول 2000: شهدت ولاية كاليفورنيا الأميركية أسوأ انقطاعات للكهرباء في تاريخها، وأسهم تأخير إصدار تراخيص محطات جديدة والظروف المناخية القاسية في نقص الإمدادات وارتفاع سعر الكهرباء 800%.ـ كانت الأزمة بسبب نقص إمدادات الكهرباء الناجم عن إغلاق شركة إنرون للطاقة، والتلاعب في الأسواق، ووضع حد أقصى لأسعار الكهرباء في سوق التجزئة.روسيا وأوكرانيا.. 3 أزمات طاقةـ أدت الصدامات الروسية الأوكرانية التي دارت أعوام 2006 و2009 و2014 إلى الانقطاعات الأولى في إمداد أوروبا بالغاز الروسي.ـ 49% من صادرات الغاز الروسية تمر عبر أوكرانيا التي تعاني حاليًا من عجز في إمدادات الغاز.ـ في أعقاب الصراع على شبه جزيرة القرم الأوكرانية، لم تكتف روسيا برفع أسعار صادرات الغاز إلى أوكرانيا فحسب، بل هددت بوقف تام لتسليم الغاز إليها إن لم تسدد الديون المترتبة عليها.ـ الأزمة الأوكرانية تركت أثرًا حادًا وفوريًا على واردات الطاقة الأوروبية، وخصوصًا على واردات الغاز الذي يعتبر واحدًا من أنواع الوقود المفضّلة في إنتاج الكهرباء في الاتحاد الأوروبي، نظرًا لتأثيره المنخفض نسبيًا على البيئة.أزمة الغاز العالمية.. 2021ـ منذ أسابيع بدأت أزمة الطاقة تعصف بأوروبا خاصة بريطانيا وإسبانيا، بسبب نقص المخزون وتحول جانب من صادرات الغاز الروسي لأوروبا نحو الأسواق الآسيوية، مما تسبب في توقف بعض شركات الصناعات الكيميائية.ـ تم إغلاق المصانع مؤقتا، من مصاهر الألومنيوم في المكسيك إلى مصانع الأسمدة في بريطانيا.ـ أسعار الطاقة في ألمانيا وفرنسا ارتفعت بنحو 40% خلال الأيام القليلة الماضية.ـ ارتفعت أسعار بيع الغاز بالجملة بنسبة 400% هذا العام في أوروبا لأسباب عدة.ـ حذرت شركات التصنيع التي تستخدم الطاقة بكثافة في بريطانيا، بما في ذلك منتجو الصلب والزجاج والسيراميك والورق، الحكومة من أنها قد تضطر لوقف الإنتاج ما لم يتم فعل شيء حيال ارتفاع أسعار الغاز بالجملة.ـ تواجه دول الشمال فواتير طاقة عالية جدا، تبلغ 5 أضعاف المستوى الذي كانت عليه في عام 2020.ـ على خلفية ارتفاع أسعار الفحم وتراجع المخزونات منذ أوائل عام 2021، تعاني الصين أسوأ أزمة كهرباء منذ عقد، حيث بدأت المقاطعات هناك بقطع التيار الكهربائي عن بعض المصانع والمناطق السكنية.ـ كما ظهرت مشكلات الطاقة في الهند أيضا، ولم يسلم لبنان هو الآخر من انقطاع التيار الكهربائي بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.ـ حسب مؤشر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية بنسبة 30% على أساس سنوي في آب 2021.ـ ووفق خبراء، فإن أقرب الأزمات المتوقعة في الشتاء القادم هي انقطاع التيار الكهربائي في ظل زيادة الطلب على الطاقة للتدفئة، خاصة إذا لم توفر الرياح الطاقة الكافية.