لم تعد لعبة الدولار الملتهبة تحرق سوى أصابع اللبنانيين الذين يُمسون على سعر صرف مرتفع ويُصبحون على آخر أكثر ارتفاعاً.
فالدولار الذي يواصل منحاه الصاروخي إلى مستويات غير مسبوقة غير آبه لتداعياته الخطيرة، أصبحت قفزاته المتسارعة لمستويات خطيرة لم يشهدها لبنان في السابق تُنذر بتفلت واضحٍ في سوق العملة الخضراء بسبب المتاجرة والمضاربة وتجميد العمل الحكومي وغياب إجراء الإصلاحات وزيادة الطلب على الدولار بعد جفاف المصرف المركزي من أي احتياطي يُمول به استيراد المازوت والبنزين والغاز وحتى الدواء.
عوامل تقنية وسياسية
عوامل كثيرة فتحت شهية الدولار أخيراً على الارتفاع يمكن تلخيصها في عاملين رئيسيين: الأول تقني، والثاني سياسي يقول الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان في حديث له مع موقع “لبنان الكبير”.
ويشمل العامل الأول مجموعة من الحقائق الواقعية التي جعلت من مسار الدولار مساراً تصاعدياً لا سيما في الأيام العشرة الأخيرة التي شهد بعضها وتيرة متسارعة أكثر من غيرها، يأتي في مقدّمتها تخلّف مصرف لبنان عن دعم البنزين وتوفير الدولار لزوم الاستيراد، بحيث شكل الطلب من شركات المحروقات تأمين 10 في المئة منها ضغطاً إضافياً وطلباً متزايداً على الدولار في السوق الموازية. كما أن الإعلان التدريجي عن رفع الدعم عن الأدوية أسهم أيضاً بارتفاع الطلب تلقائياً على العملة الخضراء، إضافة إلى العامل النفسي الذي لعب دوراً أساسياً ودفع بحاملي اللليرة اللبنانية إلى التخلص منها وشراء الدولار خوفاً من المزيد من التدهور في قيمتها.
أما العامل الثاني الثاني، فيتمثل في التشنج السياسي والشلل الحكومي دون وجود أي بوادر إيجابية أو إجراءات ملموسة على أرض الواقع تخفف من وطأة الأزمة كإطلاق البطاقة التمويلية أو المباشرة بإصلاح الكهرباء، لتذهب بذلك كل الوعود التي أغدقتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في الهواء، وتنعكس سلباً على ارتفاع سعر الصرف والتضخم وانعدام الثقة بالحكومة التي أصبح عمرها أكثر من شهرين دون إنجاز أي شيء يُذكر. وبحسب أبو سليمان، فإن هذه العوامل مجتمعة تؤدي بشكل مباشر إلى ارتفاع سعر صرف الدولار، تزامناً مع عدم وجود أي ضوابط، مشبهاً واقع الدولار اليوم بالسيارة التي تتدحرج نزولاً نحو الهاوية من دون أية فرامل.
الدولار إلى ارتفاع مستمر
من جهته، يرى الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين أن المعطيات الاقتصادية والمالية في لبنان لا تبرر هذا الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار والعملات الأجنبية مقابل الليرة اللبنانية، لا سيما وأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ذكر بالأمس أن لديه احتياطيات بالعملات الأجنبية بـ 14 مليار دولار وهو رقم كبير جداً، وقبل اندلاع الأزمة كانت قيمتها نحو 30 مليار دولار.
وبالتالي، فإن لبنان ليس بلداً مفلساً كما يعتقد بعض اللبنانين والسياسيين، بل توجد فيه أزمة سياسية وحالة من الانقسام السياسي العمودي التي أدت إلى انعدام الثقة وانعكست ارتفاعاً في سعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية بهذا الشكل.
ويؤكد شمس الدين، أنه في ظل الأزمة الحكومية الحالية والأزمة مع دول الخليج العربي سيستمر الدولار في الارتفاع، مشيراً إلى أنه لا يستطيع تحديد أي سقف له في الوقت الراهن.
واعتبر أنه فور عودة الحكومة إلى الانعقاد وإيجاد حلٍ للأزمة المستجدة سيعود الدولار حتماً إلى الانخفاض تدريجياً، في ظل توقعات بتراجعه إلى 12 ألفاً أو 8 آلاف ليرة لبنانية في غضون سنة أو سنتين في حال اعتمد برنامج تصحيح مالي مع صندوق النقد الدولي.
إذاً، صعوداً يتجه الدولار نحو 25 ألف ليرة في منحى لا يبدو مشجعاً على الإطلاق، في ظل حالة من الركود الاقتصادي والإصلاحي، تُطيح اليوم بشكل مباشر بأي أمل وُلد بعد تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي اصطدمت بعوائق سياسية يبدو أنها أكبر من قدرتها على تجاوزها.
فانهيار الليرة اللبنانية لن يتوقف في ظل أزمات متعددة يتبلور مدى عمقها ارتفاعاً تاريخياً في سعر صرف الدولار الذي تمنحه الفوضى والاشتباكات السياسية وغياب الضوابط الفعالة والقرارات الارتجالية والخيارات المالية التي لم تعد صائبة ذريعة قاسية للتحليق دون أي رادعٍ.