كيف تمكن العراق من تجازو الانهيار المالي؟

15 ديسمبر 2021
كيف تمكن العراق من تجازو الانهيار المالي؟

 تتزايد التساؤلات عن احتمال أن يستمر العراق بتطبيق “الورقة البيضاء”، وهو مشروع تبنّته وطبّقته الحكومة في تشرين الأول من العام الماضي بشكل رسمي بعد أشهر من وصول مصطفى الكاظمي إلى سدّة الحكم، ليكون بمثابة برنامج للإصلاح الاقتصادي.

والورقة البيضاء مشروع تبنته الحكومة ليكون خارطة طريق شاملة هدفها الأساسي إصلاح الاقتصاد، ومعالجة التحديات الخطيرة التي تواجهه.ورغم قسوة الورقة على شرائح كبيرة من العراقيين سيما طبقات ما دون خطّ الفقر والموظفين الذين يعتمدون على الرواتب في تأمين لقمة العيش، بعد أن خفّضت من قيمة الدينار (ابعمبة المحلية) أمام الدولار، وأدت بالتالي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة والمواد الغذائية، فإن مسؤولين حكوميين يرون أن “الورقة البيضاء” تمثل برنامجا إصلاحيا يهدف إلى تطوير القطاع الخاص وتقليل الاعتماد على الدولة وتحفيز الإنتاج بمختلف القطاعات الحكومية والخاصة، وهذا ما يزيد مبدئيا احتمال استمرارها خلال الفترة القادمة.

هل يستمر العمل بها؟
علي علاوي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية قال، في كلمة له في 10 كانون الأول الجاري، إن “الورقة البيضاء” حققت خلال عامها الثاني رغم التحديات نتائج باهرة، وهي تجاوز الانهيار المالي والمديونية العالمية وتحقيق الفائض النقدي الذي سيكون قاعدة ‏للانطلاق نحو معالجة التدهور الذي أصاب القطاعات الاقتصادية الإنتاجية.وتأكيداً لاحتمال استمرار العراق العمل بهذه الورقة، أكد مظهر محمد صالح مستشار رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية أنها مشروع إصلاحي مزدوج يسعى لتحقيق الاستدامة المالية للبلاد، مع قدرة على الاستدامة الاقتصادية بصورة تكاملية.فأهمية هذه الورقة التي تعمل في الأجل الطويل -حسب حديث صالح للجزيرة نت- قد أسست في الفترة القصيرة فهما لأيديولوجيا كانت مشوشة في الاجتماع الاقتصادي، لتُجبب عن تساؤل مهم هو كيف نؤسس طريقا عمليا للإصلاح الاقتصادي؟ مُشبّهاً الورقة البيضاء بـ “جراحة اقتصادية” تتطلب صبرا وإصراراً وإرادة لبناء مستقبل البلاد في الاستقرار والتنمية، وهي أقرب لدستور اقتصادي.

وعن أبرز نتائج “الورقة البيضاء” واحتمال أن تستمر لفترة أطول، يقول صالح إنّه تحقق العام المنصرم شيء واضح من اعتماد خريطة طريق نحو مسار الإصلاح الأوسع، وهذا ما يمكن أن نتوقع اعتماده في صيانة وترسيخ المستقبل الاقتصادي للعراق دون تراجع.ويُشير إلى أن “الورقة البيضاء” مؤشر على تقدم الاقتصاد وترصين الحياة الاقتصادية، وهو الدستور الاقتصادي الذي سيرتكز عليه أي منهاج حكومي قادم لا محالة، مطالبا أن تُقيّم نجاحات واخفاقات تطبيق هذه الورقة في سنتها الأولى لتعديل المسار أو حذف أو إضافة المسائل الإجرائية المهمة لبلوغ التطبيق الأمثل لهذه الورقة الإصلاحية.إيجابيات وسلبياتوجاءت “الورقة البيضاء” من أجل الإصلاح الاقتصادي وتجاوز التحديات المركبة والمتراكمة التي يعاني منه الاقتصاد منذ 2003 بسبب فقدان المنهجية وتشتت السياسات وعدم وضوح الرؤيا، يضاف إلى ذلك -حسب مستشار رابطة المصارف العراقية سمير النُصيري- العجز في الإيراد غير النفطي والعجز في ميزان المدفوعات والميزان التجاري والعجز في الموازنات العامة للدولة، وعدم إشراك القطاع الخاص في صناعة القرارات الاقتصادية مع تداعيات تأثيرات انتشار جائحة كورونا.وأدّى تخفيض سعر صرف الدينار أمام الدولار إلى تعزيز المركز المالي للحكومة وخفض نسبة العجز في الموازنة العامة، وساعد على تمكن البنك المركزي من رفع احتياطيه من النقد الأجنبي الذي ارتفع جراء هذه الإجراءات والزيادة العالمية في أسعار النفط إلى 64 مليار دولار.ومما عزز من هذه النتائج الإيجابية -كما يقول النصيري- ارتفاع أسعار النفط العالمية خلال الشهور الأخيرة، ووصوله إلى مستوى 80 دولارا للبرميل.وفي رده على سؤالٍ للجزيرة نت في ما إذا كانت “الورقة البيضاء” جاءت على حساب الشرائح والطبقات الفقيرة، أوضح النُصيري أن تخفيض سعر صرف الدينار أدى إلى تضرر الفئات منخفضة الدخل وارتفاع الأسعار للبضائع المستوردة والخدمات الأخرى، وارتفاع نسب التضخم بشكل خاص للمواد الغذائية والإنشائية والعقارات.والسبب في ذلك -كما يرى النصيري- عدم تفعيل القطاع الحقيقي وعدم وضوح السياسات المالية، وعدم التعاون مع البنك المركزي في تنشيط وتحفيز الاقتصاد كما تم الاتفاق عليه قبل تخفيض سعر صرف الدينار بالرغم من المبادرات التمويلية والإقراضية التي أطلقها “المركزي” للتخفيف عن كاهل الفئات التي تضررت، رغم أن هذه المبادرات ساعدت على تحقيق نتائج مهمة في تحريك السوق وتنشيط الدورة الاقتصادية، وأدت إلى استقرار سعر الصرف على السعر المستهدف للمركزي بعد التخفيض، وهو بحدود 1470- 1480 دينارا مقابل الدولار.وما بين إمكان العمل بهذه الورقة في الحكومة الجديدة من عدمها، يقرّ مستشار رابطة المصارف بأهمية أن تنفذ الحكومة المقبلة ما جاء بها، فيفترض أن يستمر هذا لحين تطبيقها بالكامل لأنها لا تخصّ الحكومة الحالية وإنما هي خارطة طريق للإصلاح الاقتصادي.مرض خبيثبالمقابل، يرى الباحث الاقتصادي مرتضى العزاوي أن تحقيق ما نسبته 50% مما طرحته الورقة -والمقرر العمل بها على مدى 5 سنوات- يعد إنجازا كبيرا، مؤكدا أن استمرار العمل بها ضرورة حياتية، مشبها الوضع الاقتصادي بـ “مرض خبيث” وعلاجه يتطلّب تدخّلا جراحيا، مؤلما وصعبا، ويحتاج فترة طويلة للشفاء منه.ويؤكد العزاوي للجزيرة نت أن الإصلاحات الحالية لو طرحت قبل نحو 10 سنوات مثلا ما كان وقعها قاسيا جداً كما هو الآن على المواطن، وهذا يعني حسب قوله إن الحلول التي تحتاجها للمرحلة الحالية ستكون “قاسية”.وأكثر ما يعزّز به الباحث رأيه لضرورة استمرار العمل بهذه الورقة هو إعادة هيكلة قطاعات المصارف والكهرباء ووزارة المالية بشكل عام، بالإضافة إلى مختلف القطاعات الأخرى، ويرى أنها “مثالية” إذا تمّ تطبيقها بالكامل، وستصبّ في مصلحة الشعب في النهاية لكنها بحاجة إلى جهد كبير.والموضوع الأهم في “الورقة البيضاء” -حسب العزاوي- هو إعادة هيكلة قائمة رواتب موظفي الدولة التي ينصّ على تخفيضها إلى نحو 12% بدلا من أن تكون 25% من مجمل الناتج المحلي الإجمالي، وإن كان ذلك قاسيا وصعبا في بلد مثل العراق يوجد فيه نحو 11 مليون شخص يتلقون الرواتب ما بين موظفين ومتقاعدين وأجور يومية، وغيرهم، دون توفير البيئة الصحيحة للنهوض بالقطاع الخاص الذي بإمكانه أن يمتص العمالة ويدخلهم في العجلة الانتاجية.وحسب الاحصائيات الرسمية وشبه الرسمية، يوجد في العراق نحو 50% ممن يتلقون رواتب أكثر من ألف دولار، وهذا ما يعدّه العزاوي بأنه ليس من “المعقول” الاستمرار بها وهي عالية جدا، والعراق لن يستطيع دفع رواتب كهذه، مطالبا بأن يكون تخفيض الرواتب وفقا لمعادلة تراكمية رصينة، مثلا يستقطع ما نسبته 10% عن من رواتبهم أكثر من ألف دولار، وهكذا صعودا ونزولا.