تلقى رئيس وكالة التوظيف الخاصة بريدجي كاجي طلباً غريباً العام الماضي: هل يمكنه إيجاد 200 عامل مهاجر مستعدين للحاق بحافلة من تكساس إلى ديترويت، حيث تستضيفهم فنادق بينما يعملون في مصنع يصنع أبواب السيارات لشركات صناعة السيارات الثلاث الكبار؟
وقال كاجي، الذي اضطر لإخبار العميل المعني أنه يستطيع ضمان إيجاد الأشخاص المؤهلين للعمل على هذا النوع من الآلات: “لم أر شيئا مثل هذا أبداً.. فأي موظف منخفض الأجر وذو مستوى تعليمي منخفض يمكن أن يدخل من الباب ويحصل على وظيفة”.هذه قصة كلاسيكية عن أزمة العمالة الناتجة عن الوباء. وأظهرت تقارير الوظائف الأمريكية المتتابعة – تقرير ديسمبر مقرر صدوره يوم الجمعة – تقلص القوة العاملة، مع وقوف الموظفين المحتملين موقف المتفرج أو تقاعدهم مبكراً.
وأصبح الرؤساء في أمس الحاجة إلى تعيينات جديدة لتلبية الطلب المتزايد، ما تسبب في ارتفاع الأجور، وأعطي المسؤولين القلقين من التضخم في الاحتياطي الفيدرالي شيئاً آخر لمراقبتهم.وما لا يفهمه كثيرون أن نقص العمالة في العديد من الصناعات سيستمر على الأرجح لسنوات – أو حتى عقود – حتى بعد انتهاء كوفيد- 19.ما الذي يقف فعلياً وراء أزمة نقص العمالة حول العالم؟تباطؤ نمو قوة العملمن المتوقع أن تنمو القوى العاملة بمقدار 6.5 مليون عامل فقط حتى عام 2030، وفقاً لمكتب إحصاءات العمل، وهذا يقل 10 ملايين تقريباً عن السنوات العشر المنتهية في 2019، وعن أرقام أكبر حتى في العقود السابقة.تراجع طلبات إعانة البطالة الأمريكية بفضل قوة الطلب على العمالةويشير مزيج من النمو السكاني الأبطأ داخل الدولة وقلة المهاجرين الوافدين من الخارج – وكلاهما تفاقم بسبب الوباء، ولكنه اتجاه يعود أيضاً إلى ما قبل الوباء – إلى أنه في فترات النمو الاقتصادي القوي أو حتى المطرد، قد تواجه الشركات صعوبة في العثور على أشخاص من أجل وظائف المبتدئين.
“لدينا مشكلة”
يقول ويليام إيمونز، اقتصادي في الفيدرالي بولاية سانت لويس: “سمها أزمة إن شئت لكنها تزداد حجماً.. ولدينا مشكلة، فمن أين سيأتي العمال؟”وعلاوة على انخفاض معدلات المواليد وارتفاع معدلات الوفيات، والاتجاهات التي تفاقمت بعد الأزمة المالية ثم الوباء، يقول إيمونز: “من المحتمل أن تكون الهجرة أقل وأبطأ.. وصمام الأمان هذا الذي مكّننا من مواصلة تشغيل اقتصاد قائم على التزويد اللامتناهي بالعمالة منخفضة التكلفة والمهارات لن يكون على الأرجح قادراً على الاستمرار”.والتركيبة السكانية المماثلة عبر الاقتصادات المتقدمة تثير الجدل حول ما إذا كانت عقود من التضخم المنخفض قد تنعكس في ظل تمتع عدد أقل من العمال بقدرة أكبر على المساومة وبالتالي ترتفع الأجور.الشركات الأمريكية أضافت في ديسمبر أكبر عدد من الوظائف الجديدة في 7 أشهروفي أواخر عام 2019، حصلت الشركات على فكرة عامة عن ضغوط العمالة عندما انخفض معدل البطالة إلى 3.5%، وأفاد المسح الإقليمي للفيدرالي لشهر نوفمبر من ذلك العام بوجود نقص في العمال “امتد إلى معظم الصناعات ومستويات المهارات”.حتى أن بعض الشركات العملاقة القادرة على تقديم أجور أعلى يمكنها رؤية حدود في الأفق.قال إيلون ماسك في مقابلة عبر الفيديو مع صحيفة “وول ستريت جورنال” في 6 ديسمبر، مفسراً لما تعمل “تسلا” بأقصى طاقة لتطوير روبوتات: “أساس الاقتصاد هو العمالة.. ولا يوجد أشخاص كافيين، ولا أستطيع التأكيد على هذه المشكلة بما يكفي”.نقص التأشيراتإلى جانب الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، ومع تقدم عمر الأفراد من فترة طفرة المواليد، يقول مكتب إحصاءات العمل إن الترفيه والضيافة سيكونان أسرع القطاعات نمواً في التوظيف العقد المقبل.ويعني هذا المزيد من الطلب على العمالة مثل شوتيل أنغيانو، وهي مهاجرة مكسيكية أصبحت مقيمة دائمة قانونية، وتعمل مضيفة في غرفة الضيوف في فندق في لاس فيغاس.لكن صافي تدفقات المهاجرين آخذ في الانخفاض وكذلك معدل المواليد المحلي، وهناك نقص ناتج عن الوباء يقدر بحوالي مليون تأشيرة عمل.ولم يكن لإعلان وزارة الأمن الداخلي الشهر الماضي عن 20 ألف تصريح إضافي للعمال الموسميين الضيوف تأثير يذكر، وتتداخل الهجرة مع السياسة، ما يجعل فتح البوابات مرة أخرى صعباً.”غير مناسب”يعني تباطؤ نمو القوى العاملة أن الشركات ستضطر إلى إعادة توجيه تركيز التوظيف في كل مهنة تقريباً، والبحث عن مرشحين من أنواع مختلفة من الكليات والخلفيات العائلية أكثر مما اعتادوا عليه.يقول جاكوب مارتينيز، مؤسس “ديجيتال نيست”، في كاليفورنيا، والتي تسعى لمساعدة الأشخاص من المناطق الريفية في العثور على عمل في التكنولوجيا والصناعات المماثلة، إن هناك الكثير من العمل المطلوب على هذه الجبهة.يقول مارتينيز عن طلابه، وكثير منهم من أصل لاتيني: “الحقيقة هي أنهم لا يحصلون على هذه الوظائف”، ولا توظف شركات التكنولوجيا الكبيرة أو حتى التكنولوجية المحلية الكثير من مدن مثل غيلروي أو واتسونفيل بكاليفورنيا، المعروفة بعواصم الثوم والفراولة، كما يقول.وقال: “لا أستطيع الوصول لرؤساء “غوغل” و”تويتر”.. فهم يعملون مع الجامعات الكبيرة في بحثهم عن المواهب”.وتشير جماعات الضغط لصالح الشركات إلى أن هناك حاجة للمزيد من العمالة من خارج الدولة للعمل في نوعية الوظائف التي تشغلها أنغيانو.وقال كورت كاشور، نائب رئيس العلاقات الإعلامية في الرابطة الأمريكية للفنادق وأماكن الإقامة: “لطالما كانت الفنادق جهة توظيف رئيسية للمهاجرين.. ونظام الهجرة الحالي غير مناسب”.”أشخاص أقل”يمكن لأسواق العمل منخفضة المعروض من العمالة أن تعزز الإنتاجية إذ تعمل الشركات بكفاءة أكبر وتستثمر في معدات وبرامج أفضل.وجلبت الأزمة الحالية مزايا للعمال أيضاً، فهؤلاء الذين حصلوا فقط على الشهادة الثانوية تمتعوا بنمو أجور أسرع من المجموعات الأخرى العام الماضي، وفقاً للاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا.يمكن أن تسود مثل هذه الظروف “لبعض الوقت”، كما يقول نيك بنكر، مدير الأبحاث في أمريكا الشمالية في “إنديد هايرينغ لاب”، وقال: “هناك نمو سكاني أبطأ، وسيكون لدينا عدد أقل من الأشخاص في تلك الفئات العمرية الأصغر”.ولا يزال هناك مجال أمام الشركات لجذب العمال الجالسين على مقاعد البدلاء من خلال أجور ومزايا أفضل، حتى بدون مزيد من الهجرة، ولا تزال التدابير الواسعة لتعزيز مشاركة القوى العاملة بين الأشخاص في سن العمل دون مستويات ما قبل الوباء، و”الطلب القوي يمكن أن يحفز العرض”، هكذا يصف بنكر الأمر.وعملياً، ما قد يعنيه ذلك على الأرجح، كما حدث أواخر العقد الماضي، هو أن الحواجز القائمة منذ وقت طويل أمام العمل – من التحيز العنصري إلى السجلات الجنائية – ستتلاشى مع تنافس الشركات على التوظيف.وشهد كاجي، رئيس وكالة التوظيف، بعض هذه الاتجاهات تتحقق فعلياً مع اشتعال الطلب على عمال التصنيع شبه المهرة.وفي بعض الحالات، تتنازل الشركات عن اختبارات المخدرات، وكذلك سجلات الإدانة، ويحصل الموظفون المؤقتين على وظائف دائمة في غضون ثلاثة أشهر أو أقل، بدلاً من تسعة أشهر.يقول كاجي: “إذا لم يكن لدى الشخص تاريخ في العمل لمدة سنة، لم نكن نتحدث معه.. لكن كان علينا تخفيف قيودنا إلى ستة أشهر من العمل، ثم ثلاثة أشهر”، وحتى أحد المتطلبات القليلة المتبقية – شهادة الدراسة الثانوية – لم يعد سارياً في جميع المجالات.