تلقى تجارة العملة الأجنبية المزيفة رواجًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق حيث توجد آلاف الصفحات التي تسوّق بالفيديوهات والصور لبيع ما يسمى “الدولار الليبي المجمد” للعراقيين الباحثين عن زيادة ثرواتهم على نحو سريع.
ويقول المروّجون لهذه التجارة إنهم يملكون ملايين من الدولارات خرجت من بنوك ليبيا إبان سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي ووصلت إلى دول عديدة في المنطقة، وحتى دول آسيوية الرقابة النقدية فيها ضعيفة، مؤكدين أن”الأموال سليمة لكنها فقط مجمدة لتسلسلها بالأرقام التي لا تدخل ضمن العمليات البنكية”.طريقة البيعتواصل مراسل الجزيرة نت مع أحد الأشخاص الذين يمتهنون تجارة بيع الدولار الليبي المجمد عبر الفيسبوك، وحصل منه على بعض المعلومات عن طريقة البيع و الشراء.
هذا الشخص الذي لا يضع صورة حقيقية على حسابه يدعى (إبراهيم) ويلعب دور الوسيط، حدثنا عن طريقة بيع الدولار الليبي المجمد من خلال شخص عراقي آخر يسكن في أحد البلدان المجاورة (لم يكشف عن اسمه). وتتم العملية عبر حوالة ويسترن يونيون (Western Union) حيث يقوم ذلك التاجر بتحويل مبلغ 10 آلاف دولار (الليبي المجمد) لتسلّم مبلغ 5 آلاف دولار أصلي بشرط وجود وسيط بينهما لضمان الحق للطرفين.وعند سؤالنا: لماذا لا تبيعون تلك الأموال في أحد البلدان المجاورة؟ قال إن “الدولار المجمّد لا يمكن تحويله إلى عملة أخرى في مكاتب الصرافة أو البنوك أو أجهزة الصرافة (ATM) داخل ذلك البلد المجاور لذا نلجأ إلى بيعه للعراقيين لسهولة تحويله وصرفه بالتناوب في المحال التجارية أو مكاتب الصرافة”، حسب قوله.وعن وجود أشخاص في مدن العراق، أشار إلى أنهم “موجودون بنسبة قليلة جدًّا في بغداد وأربيل ويمارسون عملهم بسرّية تامة خوفًا من الملاحقة الأمنية، لكنهم يمارسون تجارتهم عبر منصة الفيسبوك الأكثر استخداما في العراق من بقية المنصات الأخرى”.
نمو الظاهرة
وعن نمو تجارة بيع الدولار الليبي المجمد في العراق، ترجع الخبيرة المصرفية الدكتورة سلام سميسم ذلك إلى ضعف الرقابة على الصيرفة في العراق، مما أدى إلى نمو ظاهرة بيع ما يسمى الدولار الليبي المجمد عن طريق شركات في دول أخرى، مشيرة إلى أن”بيع وشراء الدولار المجمد من الخارج إلى العراق يُصنف ضمن غسل الأموال”.وتضيف سميسم في حديثها للجزيرة نت أن “هذا الدولار الذي يباع ليس مزوّرا بل هو استحقاقات حكومية وحقوق فردية للعاملين في ليبيا تم تهريبها إلى الخارج من قبل فصائل مسلحة، وبسبب عدم وجود حكومة قوية في ليبيا تراقب وتحاسب من يتاجر بالعملة الأجنبية نمت تلك التجارة”.تحذير رسميبدوره، دعا البنك المركزي العراقي المواطنين إلى عدم التعامل مع صفحات التواصل الاجتماعي التي تدّعي بيع ما يسمى “الدولار الليبي المجمد”.وفي بيان رسمي نشره البنك عبر موقعه الرسمي اطّلعت عليه الجزيرة نت، نوّه إلى أن أي جهة أو شركة تدّعي بيعها هذه العملة بالترويج عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي وإيهام الجمهور بوجود دولار أميركي يعود إلى البنك المركزي الليبي هي “غير مرخصة”.ومع انتشار هذه التجارة الرائجة يحذر المركزي العراقي من عمليات احتيال ونصب قد يمارسها ضعاف النفوس في هذا المجال، كما توعّد البنك باتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من يتداول هذه العملة المزورة.وحاول المراسل الاتصال برابطة المصارف الخاصة في العراق للحديث عن هذا الموضوع إلا أنها اعتذرت عن التصريح بدعوى إرباك السياسة النقدية في البلاد.كما لم يحصل المراسل على أي تعليق من وزارة الداخلية العراقية للرد على تساؤله بشأن البحث عن الدور الأمني في محاربة ومكافحة مثل هذه الجرائم.يذكر أن رئيس خلية الصقور الاستخبارية والمدير العام للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية أبو علي البصري نفى في حديث للجريدة الرسمية للعراق وجود مثل هذه العملة، مبينًا أن كل ما ينقل عن وجود عملة “مسقّطة” للبيع والشراء غير صحيح.ويوضح البصري أنه “في أكثر من عملية قمنا بتنفيذها، اتضح أن هناك تحايلا على المواطنين لبيعهم العملة المزورة على أنها أصلية، وهي عملية نصب واحتيال وجريمة منظمة وليس لها علاقة بتمويل الإرهاب”.وأشار البصري إلى أن المتاجرين بهذه العملة الليبية المجمدة لم يتمكنوا من التعامل بها أو إدخالها، وتم التثبت من ذلك وفق بحث ودراسة علمية وبالاستفسار من أصحاب الاختصاص من المصارف، الذين نفوا أن يكون هناك تسقيط لأرقام معينة من عملة الدولار، لأن الدول لا تستطيع تسقيط عملة لمجرد أن الدولة التي تتعامل بها قد سقط النظام فيها.وأكد البصري أن”كل ما يتم تداوله عبر منصات التواصل هو نصب واحتيال وليست عملة مجمدة ليبية”.الموقف القانونيبيع العملات عن طريق بعض مكاتب الصرافة أو أشخاص مجهولين عبر مواقع التواصل الاجتماعي ابتزاز لسحب السيولة النقدية يقوم به ضعاف النفوس لاستغلال حاجة المواطنين، كما يقول الخبير القانوني علي التميمي.ويؤكد التميمي للجزيرة نت أن” قانون العقوبات العراقي يحاسب على ذلك بشدة”، مشيرا إلى أن “التجارة الرائجة التي تسمى بيع الدولار المجمد أو الأبيض تصنف كنوع من الابتزاز والاحتيال النقدي المخالف لقانون العقوبات العراقي في المادة 240 القاضي بالسجن مدة لا تزيد على 6 أشهر مع دفع غرامة مالية”.ودعا التميمي البنك المركزي العراقي إلى زيادة التوعية المصرفية عبر وسائل الإعلام لمنع هذه التجارة النقدية المخالفة للقوانين النافذة، وكشف عن “أحقية المواطن العراقي الذي وقع ضحية الاحتيال النقدي لما يسمى الدولار المجمد بطلب التعويض المالي عن الأضرار التي لحقت به من الجهات الحكومية في العراق”.