بصرت موازنة العام 2022 النور حاملة معها ولادة جديدة لمرحلة قاسية على اللبنانيين عنوانها الدولار الجمركي، إذ لم تجد الحكومة وسيلة من أجل زيادة إيراداتها أسهل من رفع الرسوم على السلع والبضائع المستوردة، لتفتح بذلك المجال أمام العديد من الانعكاسات السلبية التي ستعصف بما تبقى من قدرة شرائية ضئيلة في بلد لم يعد اقتصاده قادراً على الصمود. وعلى الرغم من أنه لم يتم حتى الآن تحديد سعر صرف الدولار الجمركي بشكل نهائي، إلا أن ما هو مؤكد أن هذه الخطوة ستعمّق المعاناة التي يعيشها المواطن اللبناني خاصة أنه يستورد كل ما يستهلكه. وكانت دراسة أعدتها “الدولية للمعلومات”، قد أشارت سابقاً إلى أن رفع الدولار الجمركي إلى حدود 14 ألف ليرة سيزيد بمعدل 833 في المئة، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والبضائع بنسب مختلفة.
الموازنة التي يقوم مجلس الوزراء بدراسة بنودها، أشارت إلى أن إجمالي الإنفاق العام من جاري واستثماري يبلغ حوالي 49416.6 مليار ليرة، على أن يكون مقابل هذا الإنفاق إيرادات موازنة ضريبية وغير ضريبية تُقدر بحوالي 39154 مليار ليرة. هذا وتعتمد الواردات المرتقبة للعام 2022 معدّل نمو 3 في المئة ومعدل انكماش 90 في المئة، وترتكز الى الواردات الفعلية المحصلة خلال النصف الأول من عام 2021. كما تعكس الواردات المرتقبة تصحيح سياسات ضريبية تزامناً مع أسعار صرف فعلي، ولا سيما تطبيق الدولار الجمركي بغية إعادة تقويم الاستيراد واستيفاء الرسوم الجمركية، وذلك بهدف الحد من التهرب الضريبي ولجم القطاع غير الشرعي وتأمين موارد للخزينة، بحيث سيطبّق لمدة 10 سنوات رسما مقطوعا قدره 3 في المئة على المستوردات الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة، باستثناء البنزين والمعدات الصناعية الزراعية بغض النظر عما إذا كان المستورد يتمتع بإعفاء من الرسوم الجمركية أو من الضريبة على القيمة المضافة، وأخرى بقيمة 10 في المئة ولمدة 7 سنوات على السلع والبضائع التي سيتم استيرادها إذا كان يُصنع في لبنان مثيلاً لها تكفي الاستهلاك المحلي بشكل كامل.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أن زيادة الرسوم على السلع (سواءً 3 أو 10 في المئة)، ستقوّض القدرة الشرائية للمستهلك، وسينعكس في الوقت عينه انكماشاً إضافياً على الاقتصاد الوطني. عملياً، صحيح أن الـ 10 في المئة هي على المنتجات المتواجدة في لبنان، لكن الإشكالية تكمن في أن لبنان لا يزال يستورد معظم السلع الإستهلاكية (أكثر من 80 في المئة)، وانطلاقاً من هنا لا بد من إعادة النظر في فرض هذه الرسوم كاستخدام الشطور وعدم فرضها على الأساسيات التي يحتاجها المواطن اللبناني بشكل دائم.
وعن تأثير سعر الصرف المعتمد سواء بالنسبة للدولار الجمركي أو الدولار الضريبي، يؤكد أبو سليمان أن مردوده سيكون سلبياً على الوضع الإقتصادي وسيؤدي إلى تباطؤ في العجلة الإقتصادية، في حين ستكون بالنسبة للمواطن بمثابة ضريبة ستؤثر في واقعهم المعيشي، خاصة عندما تكون ضريبة شمولية كهذه فهي ستؤثر في الجميع لأنها ليست ضريبة انتقائية بل ستُفرض على كافة شرائح المجتمع. ولناحية عما إذا كان رفع الدولار الجمركي سيزيد من إيرادات الدولة، يقول أبو سليمان، نظرياً نعم لكن فعلياً يبقى السؤال يكمن في هل ستبقى وتيرة الإستيراد كما هي أم ستتراجع، لأن ذلك سيؤثر بشكل مباشر في حجم الإيرادات المتوقع الحصول عليها. أما النفقات، فلا بدّ في وضع اقتصادي منهار أن تلجأ الدولة إلى تخفيض نفقاتها، بحيث تدخل هذه الخطوة في الإصلاحات البنيوية. على سبيل المثال، كل من توظف في القطاع العام منذ الـ 2017 بطريقة غير قانونية وغير شرعية لماذا لا يتم الإستغناء عنه، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تساهم مع غيرها في تقليص النفقات غير الضرورية والتي تشكل عبئاَ إضافياً على الدولة.
وحسب أبو سليمان، فإن مكافحة التهرب الجمركي والضريبي الذي كان يُشكل ما لا يقل عن 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هو التحدي الأكبر اليوم، لافتاً إلى أن تفعيل الجبايات والمكافحة عبر المراقبة الصارمة والمحاسبة المسؤولة سيحسّن بشكل تلقائي حجم إيرادات ومداخيل الدولة وستُجنبها فرض ضرائب جديدة على المواطن تُهدد أمنهم الغذائي والمعيشي.
وعما إذا كان هناك علاقة بين سعر صرف الدولار في السوق السوداء والدولار الجمركي، لا يرى أبو سليمان أي علاقة بينهما لأن الدولار الجمركي سيتم تحديده من قبل الدولة ولن يكون سعراً للتداول مثل سعر صرف الدولار في السوق الموازية. وهنا يُشير إلى أن المكلف (شركة أم فرد) الذي يسحب وديعته من المصرف على سعر 8000 ليرة هل يُعقل أن يدفع هذه الرسوم والضرائب على سعر 20000 ليرة، معتبراً أن هذا الأمر يعكس عدم مساواة واضحة.