نشر موقع “trt عربي” مقالاً تحت عنوان: “في حال غزو أوكرانيا .. من يقطع إمدادات الغاز؟ روسيا أم أم أميركا”.
ووفقاً لكاتب التقرير ياسر هلال، “تطرح استغاثة أوروبا لمواجهة خطر حصول نقص حاد في إمدادات الغاز إذا انفجرت الأزمة الأوكرانية عبر غزو روسي، سؤالين كبيرين: الأول هل يوجد تهديد جدي وحاجة فعلية لروسيا إلى قطع الغاز واستخدامه سلاحاً في المعركة، واضعين في الاعتبار أن روسيا هي التي تحتاج إلى العائدات المالية للغاز بقدر حاجة أوروبا إلى إمداداته وربما أكثر.
أما السؤال الثاني فهو: هل تنجح أميركا في تعويض الإمدادات الروسية في حال قطعتها روسيا أو “تم قطعها”؟ وهل يشكِّل الاجتماع المرتقب بين الرئيس الأميركي جو بايدن وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بدء تنفيذ خطة أميركية منسَّقة دولياً لا تستهدف تعويض الإمدادات لأوربا فقط بل معاقبة ومحاصرة روسيا تمهيداً لإعادة ترتيب الجغرافيا السياسية وتنفيذاً لقول الرئيس الأميركي بايدن إن “غزو أوكرانيا قد يغير العالم”؟ أم تدفع هذه التطورات المتسارعة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التروي في مغامراته العسكرية وربما صرف النظر عن غزو أوكرانيا؟”.
تساؤلات وأضاف التقرير: “في زمن التحولات والتسويات الكبرى تقتضي الحصافة التروي في الاستنتاجات وإطلاق الأحكام، والاكتفاء بطرح التساؤلات غير البريئة.ففي ظل إعلان أميركا عدم رغبتها بالتورط العسكري، واقتصار تورط دول الناتو على إرسال معدات عسكرية وذخائر إلى أوكرانيا، إضافة إلى طرافة المساهمة الألمانية بإرسال 5 آلاف خوذة عسكرية، لماذا تلجأ روسيا إلى قطع إمدادات الغاز وهي التي تستطيع احتلال المناطق الشرقية من أوكرانيا خلال أيام معدودات؟
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تجربة ضم شبه جزيرة القرم تثبت أن روسيا لم تلجأ إلى استخدام سلاح الغاز، حتى بعد فرض عقوبات أميركية وأوروبية عليها.
ومن المستبعد أن تلجأ موسكو إلى تلك الخطوة الآن حتى لو تم فرض عقوبات أقسى وأشمل قد تطال بوتين نفسه كما أعلن الرئيس بايدن، خصوصاً وأن بعض الدول الأوروبية لا تشارك عادة بفعالية في العقوبات مثل ألمانيا وإيطاليا.
ومن جانب آخر، هل ينفذ الرئيس بايدن تهديده بفرض عقوبات على شركات الطاقة والبنوك الروسية؟ وكذلك على التداول بالدولار وربما اليورو، أو فصل روسيا عن نظام المدفوعات الدولي السريع ما يعطل حتماً تدفق إمدادات الغاز؟”.
وتابع التقرير: “مع أن هذه العقوبات تواجه معارضة قوية من عدة دول أوروبية، فإنها ستؤدي إلى النتيجة ذاتها تقريباً إذا فرضتها أمريكا فقط، كما حدث في العقوبات على إيران وعلى خط نورد ستريم 2.كذلك، هل يتحقق السيناريو الجهنمي الذي جاء في تقرير لجريدة فايننشال تايمز عن قصف وتخريب خطوط الأنابيب في الأراضي الأوكرانية سواء بشكل متعمد أو بالخطأ نتيجة الأعمال العسكرية؟
في الواقع، تُستخدم هذه الأنابيب لنقل حوالي 40 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، وتمثل نحو 35% من إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، وهو السيناريو الذي حذر منه فولوديمير أوميلشينكو رئيس أبحاث الطاقة في مركز رازومكوف الأوكراني.وأخيراً، هل تعادل المكاسب السياسية التي تحققها روسيا من قطع الإمدادات، وأهمها زيادة قدرتها فرض شروطها على أوروبا وتخفيف معارضتها لغزو أوكرانيا، الخسائر السياسية المتمثلة بفقدان تأييد بعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا وإيطاليا، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية الضخمة ممثلة في فقدان مصداقيتها كمصدر موثوق لإمدادات الطاقة، إضافة إلى العوائد المالية لصادرات الهيدروكربون والمعادن التي تشكل نحو 16٪ من الناتج المحلي الإجمالي الروسي و70٪ تقريباً من إجمالي الصادرات”.ربط للوقائع والتطوراتوأردف التقرير: “مرة ثانية، في زمن التحولات والتسويات الكبرى، تقتضي الحصافة عدم إطلاق الأحكام، والاكتفاء بربط للمعطيات والوقائع ومنها:أولاً: تعتبر أوروبا أكبر مستورد للغاز في العالم، إذ بلغ حجم وارداتها العام الماضي حوالي 326.1 مليار متر مكعب تمثل أكثر من 50% من احتياجاتها وترتفع النسبة إلى 75% مع استبعاد النرويج وبريطانيا غير الأعضاء بالاتحاد الأوروبي.ويتم توفير هذه الاحتياجات من روسيا بنسبة 30%، النرويج 28٪ والجزائر 5٪. أما الباقي فيتم استيراده غازاً مسالاً. وهنا عقدة الربط غير البريء، فالجزء الأكبر يتم استيراده من أميركا، والأهم هو ارتفاع واردات الغاز المسال بنسبة 5.4٪ سنوياً خلال العشر سنوات الماضية، ليصل إجمالي الواردات في العام 2020 إلى نحو 115 مليار متر مكعب، وذلك يتم طبعاً على حساب الاستيراد بواسطة الأنابيب من روسيا.
ثانياً: وفقاً لمسار الارتفاع الحالي لاستيراد الغاز المسال، يفترض البحث عن مصادر أخرى، غير أميركا، تتصف بالاستدامة، وقد أعد المبعوث الأميركي الخاص لشؤون الطاقة عاموس هوكشتاين، مع فريق في وزارة الخارجية خطة شبه متكاملة لضمان توفير إمدادات بديلة للغاز الروسي، استندت إلى إجراء مسح شامل للإمدادات المتوافرة، وإلى “مباحثات مباشرة مع مجموعة واسعة من الدول والشركات المنتجة للغاز في جميع أنحاء العالم، لتقييم قدراتهم واستعدادهم”، كما قال مسؤول كبير في الإدارة الامريكية في حديث مع الصحفيين. وتقتضي الخطة توجيه الإنتاج المخصص للبيع في السوق الفورية إلى الدول الأوروبية الأكثر تأثراً مع أنها كميات ضئيلة نسبياً ولا تحدث فارقاً فعلياً. كما تقتضي، وهو الأهم، إقناع قطر، باعتبارها الدولة الوحيدة بعد استبعاد إيران، القادرة على توفير إمدادات مستدامة وبكميات كبيرة.ثالثاً: قطر لا يمكنها ان تلعب هذا الدور، فأولاً هي “تنتج بكامل طاقتها” كما قال وزير الطاقة سعد الكعبي وثانياً لأن مبيعات الغاز الطبيعي تتم بموجب عقود طويلة الأجل لا يمكن تعديلها أو وقفها، خصوصاً وأن أغلب العقود القطرية هي مع دول آسيوية تشكل السوق الطبيعية التقليدية للغاز القطري ولا يمكنها المخاطرة بفقدان أو تعريض سمعتها كمصدر موثوق للطاقة.ولذلك كان لا بد من لقاء على مستوى القمة بين الرئيس الأميركي وأمير قطر، يفترض أن يؤدي إلى تثبيت الحل المقترح من هوكشتاين والمتعلق بمشكلتيْن شائكتيْن، الأولى تتعلق بالعقود القطرية مع الدول الآسيوية، ويقضي الحل بأن تتولى أستراليا تزويد المستوردين الآسيويين بالشحنات المقررة بالعقود الموقعة مع قطر، على أن تتوجه الشحنات القطرية إلى أوروبا.
ويمكن ان تطبَّق هذه الآلية لاحقاً على الشحنات الأميركية أيضاً إلى آسيا للاستفادة من قرب المسافة بين أستراليا والزبائن الآسيويين و”لإيجاد أسواق مستدامة للإنتاج الأسترالي بعد انتهاء العقود طويلة الأجل الموقعة مع اليابان”، كما قال وزير الموارد كيث، مشدداً أن بلاده تقف على أهبة الاستعداد للمساعدة في أي طلب لمزيد من الإمدادات.
أما المشكلة الثانية فتتعلق بإصرار قطر على توقيع عقود طويلة الأجل مع أوروبا، ويقتضي الحل تراجع أوروبا عن رفضها إبرام مثل هذه العقود والتي كانت موضع نزاع وتحقيق أجرته المفوضية الأوروبية عام 2018.
رابعاً: هل يكون إعلان أميركا المفاجئ، برسالة شبه رسمية non paper ومن خلال سفارتها في أثينا، تخليها عن دعم مشروع خط أنابيب إيست ميد، رسالة استرضاء لتركيا، خصوصاً وأن المشروع غير قابل للتنفيذ أصلاً، كما أن أميركا لم تعلن عن دعمها له بشكل رسمي. وهل تكون تلك الرسالة تمهيداً لتحريك وإيجاد حلول لملف النزاعات الحدودية في شرق المتوسط، ربطاً بالزيارة المرتقبة لهوكشتاين إلى إسرائيل ولبنان الأسبوع المقبل وسط توقعات بقرب التوصل إلى اتفاق بينهما على ترسيم الحدود البحرية، وهو ما يشجع على الاستغلال المكثف لغاز شرق المتوسط وتصديره إلى أوروبا عبر محطات التسييل في مصر أو عبر خط الأنابيب المقترح الذي يربط حقول المتوسط بميناء شيحان التركي”.