هل سيشهد العالم انهيارا اقتصاديا جديدا؟

15 فبراير 2022
هل سيشهد العالم انهيارا اقتصاديا جديدا؟

كانت مشكلة الرهن العقاري في الولايات المتحدة خلال العقد الأول من هذا القرن، شرارة الأزمة المالية العالمية التي صعقت الأسواق المالية في كل مكان، واليوم يخشى محللون أن الأسباب باتت كافية لزلزل جديد في الأسواق، ربما يبدأ من أمريكا أيضا.

لا يبدو النظام المالي الأمريكي اليوم كما كان عليه قبل انهياري عام 2001 و2008، ومع ذلك ظهرت أخيرا بعض العلامات المألوفة على وجود قلق وخوف في وول ستريت.وبات هناك جلسات تداول جامحة دون أخبار حقيقية مؤثرة، وتقلبات سعرية مفاجئة وشعور مستمر بالقلق بين الكثيرين، إلى جانب من يتحلون بالتفاؤل المفرط إزاء شركات التكنولوجيا، بحسب تقرير لمجلة “الإيكونوميست”.
إشارات الضعفبعد أن قفزت الأسهم الأمريكية في عام 2021، سجلت أسوأ أداء لشهر  كانون الثاني منذ عام 2009، حيث انخفضت بنسبة 5.3%، وتراجعت الأصول التي يفضلها المستثمرون الأفراد، مثل أسهم التكنولوجيا والعملات المشفرة وأسهم شركات صناعة السيارات الكهربائية. وبات المزاج السائد في منتديات المتداولين الأفراد حزينا الآن.
يغري البعض الاعتقاد بأن عمليات البيع المكثفة في الشهر الماضي كانت مطلوبة نوعا ما، حيث أدى ذلك إلى تطهير البورصة من تجاوزات المضاربة، لكن الحقيقة أن النظام المالي الأمريكي الجديد لا يزال محملا بالمخاطر.
أسعار الأصول مرتفعة، وكانت آخر مرة فيها الأسهم باهظة الثمن مقارنة بالأرباح طويلة المدى قبل ركود عامي 1929 و2001، كما يقترب العائد الإضافي لامتلاك سندات محفوفة بالمخاطر الآن أدنى مستوى له في ربع قرن.
ركزت الكثير من المحافظ الاستثمارية على الأصول “طويلة الأجل” التي تدر أرباحا فقط في المستقبل البعيد، وتعمل البنوك المركزية على رفع أسعار الفائدة لترويض التضخم.
من المتوقع أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الفائدة بمقدار 0.25% خمس مرات هذا العام. قفزت عائدات السندات الألمانية لأجل عامين 0.33 نقطة الأسبوع الماضي، مسجلة أكبر قفزة لها منذ عام 2008.
مشهد متغير ومخاوف كبيرة
يمكن أن يؤدي مزيج القيم المرتفعة وزيادة أسعار الفائدة بسهولة إلى خسائر كبيرة، والتي إذا تحققت، فإن السؤال المهم بالنسبة للمستثمرين ومحافظي البنوك المركزية والاقتصاد العالمي سيكون حول ما إذا كان النظام المالي قادرا على امتصاصها بأمان أو تضخيمها.
الجواب ليس واضحا، لأن هذا النظام قد تغير على مدار الخمسة عشر عاما الماضية من قبل القوتين التوأم للتنظيم والابتكار التكنولوجي، حيث دفعت قواعد رأس المال الجديدة الكثير من عمليات المخاطرة بعيدا عن البنوك.
وأعطت الرقمنة أجهزة الكمبيوتر مزيدا من القدرة على اتخاذ القرار، وأنشأت منصات جديدة لامتلاك الأصول وخفضت تكلفة التداول إلى الصفر تقريبا، والنتيجة هي نظام عالي التردد قائم على السوق مع مجموعة جديدة من اللاعبين.

ولم تعد صناديق المعاشات تهيمن على تداول الأسهم، ولكن من خلال الصناديق الآلية المتداولة في البورصة ومجموعات ضخمة من المستثمرين الأفراد الذين يستخدمون تطبيقات جديدة رائعة.
ويتدفق الائتمان عبر الحدود بفضل مديري الأصول مثل “بلاك روك”، التي تشتري السندات الأجنبية، وليس فقط المقرضين العالميين مثل “سيتي جروب”، كما تعمل الأسواق بسرعة فائقة، حيث حجم الأسهم المتداولة في أمريكا يبلغ 3.8 أضعاف ما كان عليه قبل عقد من الزمن.
العديد من هذه التغييرات كانت للأفضل، حيث جعلت الاستثمار أرخص وأسهل لجميع أنواع المستثمرين للتعامل في نطاق أوسع من الأصول. أظهر انهيار 2008-2009 مدى خطورة تعرض البنوك التي أخذت ودائع من الجمهور لخسائر كارثية، ما أجبر الحكومات على إنقاذها.
لكن البنوك اليوم أصبحت أقل مركزية في النظام المالي، ولديها رأس مال أفضل ولديها عدد أقل من الأصول عالية المخاطر، وتجري المزيد من المخاطرة عبر الأموال المدعومة من المساهمين أو المدخرين على المدى الطويل الذين هم – على الورق – أكثر استعدادا لاستيعاب الخسائر.
مخاطر كامنة
ومع ذلك، فإن تطوير قطاع التمويل لم يقض على الخطر، وهناك خطران يبرزان؛ أولا، بعض المخاطر مخفية في بنوك الظل وصناديق الاستثمار، وعلى سبيل المثال، ارتفع إجمالي القروض والمطلوبات الشبيهة بالودائع لصناديق التحوط وصناديق الائتمان وصناديق أسواق المال إلى 43% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ32% قبل عقد من الزمن.
يمكن للشركات تراكم ديون ضخمة دون أن يلاحظ أحد، وقد تخلف “أركغيوس”، وهو مكتب استثمار عائلي، عن سداد ديونه في العام الماضي، مما تسبب في خسائر بقيمة 10 مليارات دولار على مقرضيه.الخطر الثاني هو أنه على الرغم من أن النظام الجديد أقل مركزية، إلا أنه لا يزال يعتمد على المعاملات التي يتم توجيهها من خلال عدد قليل من نقاط الالتقاء التي يمكن أن تغمرها التقلبات.تعتمد صناديق الاستثمار الإلكترونية، التي تمتلك أصولا تبلغ 10 تريليون دولار، على عدد قليل من الشركات الصغيرة التي تصنع السوق للتأكد من أن سعر الأموال يتتبع بدقة الأصول الأساسية التي يمتلكونها.توجه تريليونات الدولارات من عقود المشتقات (إحدى الأدوات الاستثمارية) عبر خمس غرف مقاصة أمريكية، وتنفذ العديد من المعاملات من قبل جيل جديد من الوسطاء، ويعتمد سوق الخزانة الآن على شركات التداول الآلي عالية التردد للعمل.
أسباب حقيقية للقلق
وتمتلك جميع هذه الشركات أو المؤسسات مخازن أمان يمكن لمعظمها طلب المزيد من الضمانات أو “الهامش” لحماية نفسها من خسائر مستخدميها. ومع ذلك، تشير التجارب الحديثة إلى أسباب للقلق.
في  كانون الثاني 2021، أدى التداول المحموم في سهم شركة “جيم ستوب”، إلى الفوضى، وتسبب في استدعاءات هامش كبيرة من نظام التسوية. أيضا اضطربت أسواق الخزانة والنقد في أعوام 2014 و2019 و2020 حيث يمكن في أوقات الشدة أن تتعطل مجالات كاملة من نشاط التداول ما يؤدي إلى تأجيج الذعر.
تمتلك 53% من الأسر الأمريكية أسهما (ارتفاعا من 37% في عام 1992)، وهناك أكثر من 100 مليون حساب وساطة عبر الإنترنت، وإذا تعطلت أسواق الائتمان، فسوف تكافح الأسر والشركات للاقتراض.لهذا السبب، في بداية الوباء، عمل بنك الاحتياطي الفيدرالي على دعم الأسواق بالمال، ووعد بما يصل إلى 3 تريليونات دولار لدعم مجموعة من أسواق الديون ودعم التجار وبعض الصناديق المشتركة.منذ 2008-2009، كان لدى البنوك المركزية والهيئات التنظيمية هدفان غير معلنين؛ تطبيع أسعار الفائدة والتوقف عن استخدام الأموال العامة لضمان المخاطرة الخاصة. لكن يبدو أن هناك توترا بشأن هذه الأهداف، ففي حين يجب على الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة، قد يؤدي هذا إلى عدم الاستقرار.رغم أن النظام المالي لأكبر اقتصاد في العالم يبدو في حالة أفضل مما كان عليه في عام 2008 عندما تسبب المقامرون المتهورون في مصرف “ليمان براذرز” وغيره بزلزال مالي عالمي، فإنه في الحقيقة أمام اختبار صارم ستتبين نتيجته لاحقا.
 
(سبوتنيك)