على الرغم من الهدر وصرف المليارات على المشاريع الوهمية وغير المجدية لتحسين وضع الكهرباء في لبنان، إلا أن هذا الأمر لم يتحقق بل اتجه القطاع من السيء الى الأسوأ. فبعدما وعدنا وزير الطاقة في العام ٢٠١٥ بأن الكهرباء ستكون في العام ٢٠١٨ ٢٤/٢٤، إذا بنا في العام ٢٠٢٢ نعيش على التقنين القاسي الذي وصل الى ٢٢ ساعة في اليوم. ومع ذلك، لا تزال مؤسسة كهرباء لبنان تطالب عبر وزارة الطاقة بسلف ماليّة على الرغم من أن المؤسسة في رصيدها مليارات الدولارات عن اشتراكات ٢٠٢٠ و٢٠٢١ لدى المشتركين فيما الجباية شبه معدومة.
ما هو واقع الكهرباء بعد رفض الحكومة إعطاء سلفة ماليّة جديدة لمؤسسة كهرباء لبنان وهل سينعكس ذلك سلباً على المواطنين؟
أبي حيدر
ترى الخبيرة القانونيّة في شؤون الطاقة كريستينا أبي حيدر في حديث لـ”لبنان الكبير” أن “ما يحصل اليوم هو مسرحيّة أخرى على الناس وعلى صندوق النقد الدولي والسبب هو عدم تضخيم العجز في الموازنة خصوصاً أن هذا أحد شروط الصندوق”، مؤكدة “أننا بحاجة الى الأموال للحصول على الكهرباء وإلا حتى حلم الساعتين لن نحصل عليه، وذلك لا يتم إلا من خلال وضع خطط جدّية مبنيّة على الالتزام بالاصلاحات المفروضة من صندوق النقد والبنك الدولي ومن المجتمع الدولي بأسره”.
وتعتبر أن أولى الحلول تبدأ بـ”تصحيح التّعرفة ولكن هذا الأمر من الصّعب تحقيقه خصوصاً أننا مقبلون على الانتخابات ولا نيّة للحكومة للقيام بخطوة كهذه، وبالتالي تبقى هذه الوعود شعارات لشراء المزيد من الوقت وتيسير الانتخابات، لا سيما أنّ هناك طرفاً سياسياً واحداً يتحكم بوزارة الطاقة منذ أكثر من عشر سنوات ويتّبع النهج نفسه في الادارة والممارسة”. وتشير الى أن “تعيين الهيئة الناظمة من خلال تشكيل هيئة إداريّة مستقلّة تدير هذا القطاع هي إحدى الخطوات التي يجب القيام بها لكي لا يعود للوزير أي صلاحيّة على القطاع، ولكنها لا تناسبهم وأكبر دليل هو فرضهم التعديلات على قانون الـ٤٦٢ والتي تنص على سلب كل الصلاحيات من الهيئة وحصرها بيد الوزير، وبالتالي هم يريدون هيئة ناظمة صوريّة تنفق عليها الأموال ولكنها عاجزة”.
وعن فواتير الكهرباء التي تأتي الى البيوت وتعود إلى العامين ٢٠١٩ و٢٠٢٠، وما إذا كانت الجباية هي أحد الألغاز، تؤكد أبي حيدر أن “هناك هدراً ويجب العمل في هذا السياق على إيقافه”، موضحة أن “الهدر نوعان تقني (الذي يتعلّق الشبكة) وغير تقني (أي الجباية)، وبالتالي نحن مجبرون اليوم على تحقيق جباية على كل الأراضي اللبنانيّة ويجب ألا تكون هناك استنسابية في الدفع كما هو حاصل في بعض المناطق”.
وعن تخوف المواطنين في حال رُفع سعر الكيلوواط أن تُحتسب هذه الزيادة بمفعول رجعي بالنسبة الى الرسوم، وما اذا كان هذا الأمر قانونياً أم لا، تلفت الخبيرة القانونيّة الى أن “البنك الدولي طالب بضرورة تصحيح التعرفة حتى يقدم السلفة إلى مؤسسة الكهرباء. والتعرفة تخضع لشطور حدها الأدنى 3000 ليرة إلى 400 كيلوواط والشطر الثاني الذي يتجاوز الـ 400 كيلوواط حتى تستطيع المؤسسة أن تمول نفسها، وهناك مطالبة بالشراكة مع القطاع الخاص وليس خصخصة القطاع”.
أيّوب
من جهته، يتخوف الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور مارك أيوب في حديث لـ “لبنان الكبير”، من “أن تميّع هذه السّلفة مع التجاذبات السياسية مما يعني غياباً واضحاً لأي طرح عملي وتقني للخطة التي يجب أن ترافقها، فالمؤسّسة لا يمكنها أن تنتج أي شيء من دون الكهرباء”، لافتاً إلى أن “مصدرنا اليوم محصور فقط بالفيول العراقي ولكن ماذا لو قرر العراقيون ألا يمدّونا به؟ عندها لا نعلم ما سيكون مصيرنا في نهاية العام. وبالتالي، سنعود إلى موضوع إنشاء معملين أو ثلاثة خصوصاً أننا على أبواب الانتخابات”.
أمّا بالنسبة الى استجرار الغاز والكهرباء من الأردن ومصر، فيوضح أيّوب أن “هذا التمويل الذي يجب أن يسعى اليه لبنان من البنك الدولي وليس تمويل المعامل. إلا أن هذا التمويل لم يوافق عليه بعد البنك الدولي ولكي يوافق عليه وضع شروطاً عدّة ولكنها بقيت معلّقة سياسياً. ومثال على ذلك، لا تزال مصر تنتظر من الولايات المتحدة التطمينات بأن العقوبات الأميركيّة لن تشملها في حال استجرار الغاز”.
وعن خارطة الطريق التي يجب السير بها، يرى أيوب أنه “يجب البدء بتعيين الهيئة الناظمة للكهرباء، وإطلاق المناقصات لبناء المعامل أي على الأقل معملين”، قائلاً: “كنا قد طرحنا في المعهد دراسات عدة منها بناء معامل في الشمال والجنوب في دير عمار والزهراني”.
كما يشدد على وجوب “التوجه إلى الطاقات المتجددّة خصوصاً أن هناك أراض شاسعة لذلك وهناك استعداد للاستثمار من قبل شركات عدة ولكن علينا تأمين البنى التحتية أوّلاً”، مشيرا إلى أن “هذه الأرضيّة لا يمكن أن تكون حاضرة بدون صندوق النقد الدولي، أي في ظل انهيار الليرة كل مشاريع الطاقة هي رهينة الاستقرار الاقتصادي الكلي وعلى أساسها نبدأ بالتفاوض مع الشركات ولكن يبقى هذا الأمر بعيداً”. ويذكر بأن “هذا الأمر واجهه رئيس الوزراء خلال زيارته الى تركيا، حيث أبلغوه أنهم غير مستعدين للاستثمار في مشاريع متعلّقة بالطاقة في حال غياب الاستقرار الاقتصادي الكلي لمعرفة على أي سعر صرف سيتم الدفع ومن هي الجهة المخوّلة بذلك”.