كتبت “الحرة”: كبح الغزو الروسي لأوكرانيا، فرص انتعاش الاقتصاد العالمي المتأثر أصلا من جائحة وباء كورونا، وفق تحليل لمجلة “فاينانشل تايمز”.وهز الغزو الروسي أوكرانيا، الخميس، الأسواق المالية، ومن المقرر أن تؤدي التوترات الجيوسياسية المتزايدة إلى تفاقم التضخم المرتفع واختناقات سلاسل التوريد، وفق ذات المجلة.
وقال خبراء اقتصاديون إن الآثار المباشرة لانخفاض التجارة مع روسيا، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من المرجح أن تؤثر على ثقة الأعمال التجارية والمستهلكين وأسواق السلع.ويمكن أن تتراوح هذه التداعيات من “محدودة نسبيًا” إلى “خطيرة للغاية”، تقول المجلة “إذا استمرت أسعار الطاقة في الارتفاع، حيث قد يؤدي ذلك بسهولة إلى دفع الاقتصاد العالمي إلى الركود الثاني في غضون ثلاث سنوات”.
يُشار إلى أن العقوبات المالية التي فُرضت على روسيا، تهدف خصوصا إلى الحدّ من قدرتها على الاقتراض من الأسواق المالية العالمية.فماذا يعني ذلك بالنسبة للمستثمرين ولموسكو؟ بل كيف تموّل الدول نفسها؟
تحتاج الدول إلى اقتراض مبالغ مالية كبيرة لتمويل نفقاتها العامة، لذلك تصدر سندات دين يشتريها مستثمرون من العالم كله (مصارف، صناديق تقاعد، شركات تأمين، وغيرها).يتمّ بشكل مسبق تحديد سعر الفائدة والجدول الزمني للتسديد وكذلك مدة القرض، وتُسمى هذه السوق، أولية، وهي مختلفة عن السوق الثانوية، التي يتم خلالها تبادل السندات بين المستثمرين.وغالبا ما تطلق الدول عمليات اقتراض جديدة لدفع الديون التي يقترب موعد سدادها وهذا ما يسمى إعادة تمويل الدين.ويمكن لدولة ما أن تصدر ديونا بأسعار فائدة معقولة، طالما يثق بها المقرضون.ماذا ستغيّر العقوبات الجديدة إذن؟
لن يتمكن المستثمرون الأميركيون من شراء سندات الدين الروسية الصادرة بعد الأول من آذار. وسيكون أيضا مستحيلا بالنسبة للدولة الروسية الوصول إلى الأسواق المالية الأوروبية لإعادة تمويل دينها. وستمنع بعض الدول، إصدار سندات الحكومة الروسية وكذلك تداولها في السوق الثانوية.ما مدى سوء ذلك؟بينما لا تزال الأهداف المحددة من طرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من حربه على أوكرانيا، مجهولة، افترض خبراء أن تتراوح سيناريوهات النزاع من تغيير الحكومة في كييف لتصبح تابعة لموسكو إلى محاولة شاملة لإعادة رسم الحدود الدولية لأوروبا وخارجها.لذلك، يرى كبير الاقتصاديين في بنك بيرنبرغ، هولغر شميدنغ في حديثه للمجلة أن أول شيء يجب مراعاته لمعرفة “درجة سوء هذا الوضع” هو “ما مدى سوء الحرب؟” إذ هذا المعطى الذي سيحدد الاستجابة المحتملة في أسواق المال والطاقة في الأيام المقبلة.
وقال اقتصاديون آخرون إن الاستجابة العالمية الأوسع لا بد أن تكون حاسمة، ومستمرة، بينما يمكن أن يفرز دعم بعض الدول لروسيا وضعا ماليا متأزما، على هامش الأزمة الجيوسياسية الجارية (نقل الأزمة السياسية إلى قطاع المال).وأشار تيم آش، الاقتصادي في BlueBay Asset Management ، إلى الصين (على سبيل المثال) التي أبدت استعدادها لمساعدة روسيا في إدارة التداعيات المالية لأعمالها العسكرية.هل الأسواق قادرة على تحمل الصدمة الجيوسياسية؟تراجعت الأسواق المالية العالمية الرائدة بشكل حاد الخميس، لكن النتيجة كان من الممكن أن تكون أكثر ضررا، مما يشير إلى عنصر المفاجأة الذي انتهجه بوتين، لكنها “ليست حتى الآن أشد الصدمات على السوق” بإجماع الخبراء.وانتعشت أسواق الأسهم العالمية، الجمعة، بعد الخسائر الفادحة المتراكمة منذ بداية الأسبوع، لكن أجواء السوق لا تزال غير واضحة ومرتبطة بتطورات الغزو الروسي لأوكرانيا، وفق تقرير لوكالة فرانس برس.من جهتها، بدأت أسعار النفط تستقر بعد ارتفاعها الحاد الخميس.وتراجعت أسعار القمح في التعاملات الأوروبية غداة سعر قياسي عند الاقفال، الخميس، فيما تعتبر روسيا وأوكرانيا من أكبر منتجي القمح في العالم، بينما واصلت أسعار الذرة ارتفاعها الكبير.وسجلت البورصات الأوروبية تحسنا في بداية جلساتها بعدما بلغت خسائرها نحو 4 بالمئة في اليوم السابق. وارتفعت بورصات باريس 0,91 بالمئة ولندن 1,47 بالمئة وفرانكفورت 0,62 بالمئة وميلانو 0,30 بالمئة قرابة الساعة 08,35 بتوقيت غرينتش. أما بورصة موسكو، فبعد خسارة تجاوزت الثلاثين بالمئة الخميس، ارتفعت الجمعة بنسبة 20 بالمئة.وجاء تحسن البورصات بدفع من وول ستريت التي فتحت الخميس على انخفاض حاد لكن مؤشراتها الثلاثة الكبرى أقفلت على ارتفاع بلغ 0,25 بالمئة لداو جونز وأكثر من 3 بالمئة لناسداك و1,50 بالمئة ل”اس اند بي500″ الأوسع بنسبة 1,50 بالمئة.
وبدفع من وول ستريت أيضا سجلت البورصات الآسيوية في جلساتها الجمعة ارتفاعا.ففي بورصة طوكيو، ارتفع المؤشر نيكاي – سجل الخميس أدنى مستوى له عند الإغلاق منذ 15 شهرا – بنسبة 1,95 بالمئة لكن حصيلة أدائه الأسبوعية تبقى في هامش الخسائر (-2,4 بالمئة).ومن أسباب الانتعاش في المؤشرات، ذكر الخبير في الاستثمار في مجموعة “ميرابو” جون بلاسار في حديثه لفرانس برس، “السعي لصفقات جيدة” وكذلك الخطاب الذي يعتبر معتدلا، برأيه، للرئيس الأميركي جو بايدن.لكن تحليل “فاينانشل تايمز” لم يُبعد سيناريو أزمة مالية عالمية، وقال: “الباب لا يزال مفتوحًا أمام احتمال تعرض البعض لمزيد من السقوط، مع ما يترتب على ذلك من عواقب على ثروة الشركات والأسر، والاستهلاك والثقة العالمية”.
وأشار نيل شيرينغ، كبير الاقتصاديين في كابيتال إيكونوميكس، إلى أنه في حين كانت هناك عمليات بيع في الأسهم، انخفضت عائدات السندات ولم تتسع هوامش الائتمان كثيرًا، مما يشير إلى أن رد فعل السوق كان منظمًا ولم يكن مؤشراً حتى الآن على توقعات حرب أوسع عبر العالم، وأوروبا على وجه الخصوص.راندي كروسزنر، نائب عميد كلية الأعمال بجامعة شيكاغو بوث، والمحافظ السابق للاحتياطي الفيدرالي، قال من جانبه، إن مخاطر الركود ستظهر بعد حين، وذلك في الاختلاف في عوائد الدرجة الاستثمارية مقارنة بالديون غير الاستثمارية، والتي لم تتسع على نطاق واسع.وأضاف أن عوائد الديون السيادية للدول القريبة جغرافيا من الأزمة ستقدم مؤشرا جيدا عما إذا كانت الأسواق بدأت تخشى صراع أوسع.