بمزيج من السخط والسخرية يتفاعل الغزيون مع الارتفاع الكبير في أسعار غالبية السلع والبضائع، منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي تضغط بقسوة على الفئات الهشة والأشد فقرا في قطاع غزة، الذي يعاني أساسا ويلات الحصار الممتد منذ 15 عاما.
ونال “شبح الأسعار” من المواد الأساسية التي تشكل عماد الأسرة البسيطة في غزة كالطحين والأرز والسكر والزيت، وارتفعت أسعارها بنسبة تقول الجهات المسؤولة في غزة إنها لم تزد عن 9%، في حين يقدرها سكان وتجاز تجزئة بأنها أكثر بكثير.فقراء غزة ضحايا الحرب الروسيةلم يتذوق مهند الهيقي وأسرته طعم الدجاج منذ نحو أسبوعين لعدم قدرته المادية على شرائه بعد ارتفاع ثمنه “بشكل جنوني”، حسب وصفه، وقال بحرقة وهو يضرب كفا بكف “حتى قبل اندلاع حرب روسيا لم نكن قادرين على تدبر أمورنا، فلك أن تتخيل حالنا مع هذه الأسعار المجنونة”.
ولا يستوعب الهيقي، وهو حرفي دهان عاطل عن العمل منذ شهرين، كيف لحرب يصفها بأنها “في آخر الدنيا” أن تؤثر بهذا الشكل في أسعار السلع والبضائع في غزة، ويؤمن بأن “للتجار يدا في ذلك بالاحتكار”، وقال ساخرا “حتى العدس لم يسلم من ارتفاع الأسعار، فهل نستورده من روسيا؟”.وأضاف “كل شيء في غزة نار، والأسعار عالية، والمبررات غير مقنعة، فما علاقة أسعار الخضار في السوق بالحرب الروسية؟”.ويعيل الهيقي أسرة من 6 أفراد، ويقول -للجزيرة نت- إنه بالكاد كان يتدبر أمور أسرته قبل أزمة الأسعار الحالية، بسبب قلة العمل في غزة وعمله المتقطع لأيام محدودة نظير أجرة يومية تقدر بـ50 شيكل (حوالي 15 دولارا) لا تفي بالاحتياجات الأساسية ودفع الإيجار الشهري 600 شيكل (184 دولار) للمنزل الذي يقيمون به في حي الزيتون جنوبي شرقي مدينة غزة.وقال مهند الهيقي إنه أصبح يغيب عن المنزل طوال ساعات النهار كي لا يرى نظرات الحسرة في عيون أطفاله لعدم قدرته على تلبية احتياجاتهم الأساسية البسيطة.
ومنذ بضعة أيام شعر الهيقي بالكثير من الحسرة تحرق قلبه عندما سمع حديث ابنه مع والدته، وقوله لها “من زمان لم نأكل دجاجا”.وارتفع سعر كيلوغرام الدجاج في غزة من 12 إلى 17 شيكل (3 إلى 5 دولارات)، وارتفعت معه كل أصناف اللحوم البيضاء والحمراء، وكذلك البيض.وقال الهيقي “رمضان على الأبواب، ومنذ شهرين لا أعمل، وغالبية الناس في غزة على هذه الحال، فكيف لنا توفير متطلبات هذا الشهر الكريم.. والله حياتنا في غزة والموت واحد، لا يوجد فرق”.وتقدر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” (UNRWA) أن نسبة 80% من مليوني نسمة هم سكان غزة، وغالبيتهم من اللاجئين، لا يتمتعون بالأمن الغذائي، ويعتمدون في معيشتهم على مساعدات إغاثية.الحرب الروسية وأسواق غزةويؤكد المدير العام للسياسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد في غزة الدكتور أسامة نوفل أن الأسعار في غزة تأثرت كما باقي الأسواق العالمية بالحرب الروسية على أوكرانيا، باعتبار أن 70% من السلع والبضائع في السوق المحلية مستوردة من الخارج، وتأثرت بارتفاع أسعار الطاقة والشحن والنقل.وقال نوفل -للجزيرة نت- إن الواقع الاقتصادي في غزة متردٍ وهش بالأساس، وجاءت الحرب الروسية لتزيده سوءا، وما يعمق من الأزمة أن المخزون الإستراتيجي من السلع والبضائع ليس كبيرا، لعدم قدرة التجار المادية على التخزين، فتداعيات الحصار عصفت بالكثير منهم، حتى إنها زجت ببعضهم إلى السجون لعدم إيفائهم بالتزاماتهم المالية.ويكفي مخزون القمح الذي تستورده غزة من روسيا لانخفاض سعره مقارنة بأصناف قمح من دول أخرى، لنحو شهر ونصف الشهر، وتستهلك منه يوميا نحو 400 طن، في حين أن الزيوت التي تستوردها من أوكرانيا، وغالبية السلع الأخرى، لا تكفي سوى شهر واحد فقط، بحسب نوفل.وخلال الأسبوعين الماضيين شهدت أسواق غزة ارتفاعا ملحوظا في أسعار غالبية السلع، ويفصّل نوفل هذا الارتفاع على النحو التالي: ارتفاع أسعار الزيوت والبقوليات بنسبة 7%.ارتفاع أسعار اللحوم البيضاء بشكل كبير بسبب الزيادة الهائلة في أسعار الأعلاف -200 شيكل (60 دولارا) زيادة على الطن الواحد-.ارتفاع سعر بيض المائدة (بيض الدجاج) من 11 إلى 15 شيكل (3 إلى 4 دولارات) للطبق الواحد (30 بيضة).ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بنسبة 6%.وقال نوفل إن الفئات الهشة والأشد فقرا في غزة تعاني من هذه الأسعار، خصوصا أثمنة اللحوم البيضاء لاعتمادهم في غذائهم على الدجاج والبيض بالأساس، في حين لم يلمس الغلاء اللحوم الحمراء الطازجة التي لا تزيد نسبة مستهلكيها في غزة عن 20%، موضحا أن 80% من السكان يعتمدون على اللحوم المجمدة لانخفاض سعرها إلى أقل من النصف مقارنة بالطازجة.وعبّر نوفل عن خشيته من تأثر عمليات الأونروا، والمؤسسات الإنسانية والإغاثية الأخرى، بالحرب الروسية إذا طال أمدها، لاعتماد غالبية من سكان غزة في معيشتهم على تلقي مساعدات إغاثية، في ظل معدلات الفقر والبطالة المرتفعة.الواقع مغايروأكد تاجر المواد الغذائية والتموينية بلال نصار -للجزيرة نت- أن الجهات المختصة تبذل جهودا لضبط الأسعار، ولكن واقع السوق مختلف عن نشرات الأسعار الرسمية، والمواطن البسيط يعاني “غلاء فاحشا” طال كل شيء في السوق.وضرب نصار مثلا بمادة السميد، التي يزيد الطلب عليها واستهلاكها في شهر رمضان، حيث ارتفع سعر الشوال زنة 50 كيلوغراما من 97 شيكل إلى 125 شيكل (30 إلى 38 دولارا)، في حين ارتفع السكر (50 كيلوغراما) من 113 إلى 125 شيكل (34 إلى 38 دولارا).وقال نصار إن الارتفاع في الأسعار في غزة أصبح لحظيا، وليس يوميا، ففي كل لحظة قد تشهد السلعة ارتفاعا في سعرها.