ذكر موقع “سكاي نيوز”، أنّ الحرب الروسية في أوكرانيا جدّدت مخاوف شعوب دول البلطيق من أن تطالهم تأثيراتها، ليتخذوا منذ اليوم الأول للقتال مواقف متشددة ضد موسكو، وصلت حد وقف استيراد الغاز الطبيعي.ما زاد من هذه المخاوف أن اثنتين من دول البلطيق الثلاث إستونيا ولاتفيا، تملكان حدودًا مباشرة مع روسيا، في حين في تتشارك ليتوانيا الدولة الثالثة شريطا حدوديا طويلا مع بيلاروسيا المقربة من النظام الروسي، فيما تعد الدول الثلاث المُطلة على بحر البلطيق بمثابة الحدود الشمالية للاتحاد الأوروبي مع روسيا.
ومنذ بداية الصراع بين موسكو وكييف، كانت دول البلطيق من أكثر البلدان تشددًا بشأن التعامل مع روسيا، بإرسال الناتو تعزيزات عسكرية إلى شرف الحلف، وإنزال أقسى العقوبات الاقتصادية والسياسية؛ لوقف طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتن.وسبق أن حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أنه حال هزيمة أوكرانيا، فإن روسيا ستستهدف بقية دول أوروبا الشرقية بدءا من دول البلطيق، قائلًا: “إذا لم نعد موجودين، سيأتي دور لاتفيا وليتوانيا وإستونيا”.
اقتصاديا، طالت دول البلطيق الثلاث التأثيرات السلبية للحرب في الجوار، فبحسب وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، حيث أدت الحرب والعقوبات المفروضة على روسيا وبيلاروسيا إلى تفاقم التضخم المرتفع بالفعل هناك عبر الارتفاع الحاد في أسعار النفط والغاز الطبيعي، مما يضعف آفاق النمو.التضخم.. والغازوأظهرت بيانات مكتب الإحصاءات التابع للاتحاد الأوروبي “يوروستات”، أن معدل التضخم السنوي يصل إلى 14 بالمئة في ليتوانيا لشهر شباط، و11.6 بالمئة في إستونيا، في حين كان أقل في لاتفيا بنحو 8.8 بالمئة.وتتعرض ليتوانيا بشكل خاص لتقلب أسعار الطاقة بعد أن تخلصت تدريجياً من الطاقة النووية العام 2009، حيث شكلت الواردات ثلاثة أرباع إمداداتها من الطاقة.كما تنفذ لاتفيا خططًا لتقليل اعتمادها على روسيا في الغاز الطبيعي، من خلال الوصول إلى محطة الغاز الطبيعي المسال في ليتوانيا، لكن توسيع خط الأنابيب المطلوب سيستغرق حتى العام المقبل.
أما إستونيا هي الأقل اعتمادًا من دول البلطيق على واردات الطاقة بسبب إنتاج الفحم والنفط الصخري المحلي.وذكرت وكالة “فيتش” أن الحرب زادت من حالة عدم اليقين بشأن توريد رقائق الخشب من بيلاروسيا، وهي أكبر مصدر للكتلة الحيوية إلى دول البلطيق، حيث توفر الوقود لأنظمة التدفئة المركزية التي تحولت من الغاز.في حين ستكون الصدمة التجارية محدودة بسبب الحصة الكبيرة من إعادة التصدير في صادرات بحر البلطيق إلى روسيا، والتي تراجعت منذ عام 2014.تخوفات مشروعةمن جانبه، يرى الزميل غير المقيم في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي، بول سوليفان، إن حرب أوكرانيا أظهرت المخاوف الحقيقية لدول البلطيق تجاه روسيا، إذ يمكن لموسكو أن تندفع عبر فجوة “سوالكي” الخطيرة، وهي الحدود البولندية الليتوانية الضيقة التي يبلغ طولها 65 كيلومترا، والتي يُنظر إليها على أنها واحدة من أكثر نقاط الناتو ضعفا.وقال سوليفان إنه “إذا كان لدى بوتن انتصار في أوكرانيا، فقد يدفعه إلى مزيد من الصراع ومهاجمة دول البلطيق إما عبر الوسائل العسكرية أو الإلكترونية، لكن الدول الثلاث ستحارب بقوة كبيرة ضد أن يحدث ذلك، لأن العودة إلى روسيا بمثابة كابوس لا يريدونه، وسوف يضحون بالكثير للحفاظ على استقلالهم”.وأوضح أن دول البلطيق تعد من أكثر الدول تعرضاً لروسيا في الاتحاد الأوروبي، فالتكلفة لأشياء كثيرة آخذة في الارتفاع، ويمكن أن تؤثر التكاليف المتزايدة للطاقة عليهم بشدة.كما يمكن أن تؤدي الزيادات في أسعار المواد الغذائية إلى بعض الأضرار الاقتصادية، وبالتالي فمن المحتمل أن تحتاج دول البلطيق إلى بعض المساعدة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للتعامل مع هذه الصدمات الاقتصادية، وفق الزميل غير المقيم في مركز الطاقة العالمي.التجارة مع روسياوذكر سوليفان أنه بالنسبة لليتوانيا، ذهب حوالي 13 بالمئة من صادراتها إلى روسيا، في حين كان نحو 7.6 بالمئة من وارداتها من موسكو، وكانت في الغالب النفط والمنتجات النفطية والكهرباء والمواد الكيميائية والقمح.وقال: “إنهم يعملون على تعويض كل الواردات الروسية من دول أخرى”.وفي لاتفيا، فإن 7.6 بالمئة من صادراتها تذهب إلى روسيا، لكنهم حصلوا على 15 بالمئة من وارداتها من موسكو، وجزء كبير من تلك الواردات كان النفط والغاز الطبيعي والفحم والقمح.أما ليتوانيا فحوالي 12 بالمئة من صادراتها تذهب لروسيا، في حين نحو 13 بالمئة من وارداتها من موسكو، وفي الأغلب تكون من النفط والكهرباء والمواد الكيميائية.وذكر سوليفان أن ليتوانيا أنشأت مركزًا لاستيراد الغاز الطبيعي المسال لوقف جميع واردات الغاز الطبيعي المسال، وبعد الصراع انخفضت وارداتها من الغاز من روسيا إلى الصفر.كما اعتادت إستونيا على تصدير النفط الصخري إلى روسيا واستيراد الغاز منها، و”أشك في أنهم ما زالوا يفعلون أيًا من ذلك”، وفق سوليفان، الذي ذكر أنهم استوردوا النفط والفحم، وعليهم أن يجدوا مصادر بديلة الآن.وشدد على أن هناك الكثير من المساعدات التي تتدفق من الاتحاد الأوروبي لدعم اقتصادات البلطيق.وبشأن الأوضاع في الفترة المقبلة، قال الزميل غير المقيم في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي، إنه “من الصعب معرفة ما ستكون عليه العواقب طويلة المدى، لأن هذا يعتمد على المدة التي ستستغرقها الحرب وما إذا كانت ستنتقل إلى بولندا ودول البلطيق”.