لا تزال الأزمة الأوكرانية تعصف باقتصاد العالم، وتلقي بظلالها على أسعار السلع ومعدلات التضخم ونقص الموارد، التي بلغت مستويات تاريخية غير مسبوقة، لا سيما في ألمانيا، التي طالما وصفت بأنها ذات قوة صناعية عالية وتتصدر قائمة الاقتصادات الأكثر قوة في العالم.
وحذر تقرير صدر مؤخرا عن مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني، من ارتفاع معدلات التضخم في البلاد الذي وصل في آذار الماضي إلى 7.3 بالمئة، بينما ارتفعت الأسعار في نيسان الماضي بنسبة قاربت 7.5 بالمئة، مقارنة بمستواها خلال نفس الشهر من العام الماضي.وتواجه ألمانيا 3 تحديات كبرى تعيق جهود الحكومة لمحاولة الإفلات من الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب الأوكرانية، أولها هو تأثر قطاع الإنتاج إلى حد كبير بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وأيضا تقليل العرض والطلب تأثرا بظروف التوتر السياسي والأمني في أوروبا بوجه عام.
ويتمثل التحدي الثاني، في الارتفاع الجنوني لأسعار السلع بشكل عام، وعدم قدرة الشركات الألمانية على الحفاظ على معدلات الانتاج أو تقليل التكلفة، وكذلك نقص بعض المواد الأساسية من الأسواق، ما يؤثر على ارتفاعات غير مسبوقة في أسعارها.ويتعلق التحدي الثالث بضعف المطالب على المنتجات الألمانية محليا ودوليا بسبب ارتفاع أسعارها مقارنة بالمنتجات الصينية أو الآسيوية.ويرى السياسي الألماني حسين خضر، أن العالم كله وفي القلب منه القارة الأوروبية يعاني أزمة اقتصادية غير مسبوقة جراء الحرب الأوكرانية وما خلفته من تداعيات التحمت بالتأثيرات السلبية الناتجة عن انتشار جائحة كورونا، وما أنتجته من مخاطر وأزمات حقيقية لنمو الاقتصاد بوجه عام.وفي تصريح لـ”سكاي نيوز عربية” يقول خضر إن الأسعار في البلاد قد سجلت ارتفاعا غير مسبوق، فضلا عن عدم توافر بعض السلع والمنتجات مما يؤثر بشكل كبير على مضاعفة أسعارها بشكل مباشر أو غير مباشر تأثرا بارتفاع أسعار الطاقة، خاصة أن روسيا لاعب رئيسي في عملية تصدير الغاز لأوروبا.
ويشير خضر إلى الارتفاع القياسي أيضًا لأسعار السلع الأساسية وفي مقدمتها القمح، بينما تحذر تقارير عدة من تفاقم الوضع على المستوى العالمي إذا استمرت الحرب لمدة أطول، فضلا عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية البديلة للقمح، مثل الأرز أو البطاطس.ويؤكد خضر أن التأثيرات الاقتصادية سوف تشمل كل دول العالم، مع تفاوت نسب التأثر، ومدى قدرة الحكومات على وضع استراتيجيات ناجزة للتعامل مع الأزمة وتوفير بدائل لتفادي المخاطر الكارثية لتلك الأزمة.وتحاول ألمانيا خلال الفترة الراهنة الموازنة بين دورها السياسي وحماية اقتصادها من الانهيار، خاصة أنها تواجه ضغوطًا ثقيلة لتقديم أقصى دعم لأوكرانيا.وتواجه ألمانيا ارتفاعا في أسعار الطاقة وارتفاعا في التضخم بسبب فرض عقوبات على روسيا بعد بدء عملية خاصة لنزع السلاح من أوكرانيا، وأثرت الإجراءات بشكل أساسي على القطاع المالي وتوريد منتجات التكنولوجيا الفائقة.لكن الدعوات لتقليل الاعتماد على موارد الطاقة الروسية، أصبحت أعلى في أوروبا.ويعيش أكبر اقتصاد أوروبي مرحلة تاريخية، في ظل ركود متوقع في حال قطع إمدادات الغاز من روسيا، حيث ارتفعت معدلات التضخم بشكل كبير.جاء حديث رئيس مجلس إدارة “كومرتس بنك”، مانفريد كنوف، ليزيد القلق الألماني، حيث أكد أن إمدادات الطاقة في ألمانيا معرضة للخطر، الأمر الذي قد يؤدي لانتشار حالات الإفلاس في البلاد.وقال كنوف، في تصريحات صحفية لموقع “هاندلزبلات”، إن إمدادات الطاقة في ألمانيا مهددة، وسلاسل الإمداد تنكسر، بالإضافة للتضخم المرتفع في البلاد.وتابع قائلا: “لكن لا ينبغي لنا أيضا أن نخدع أنفسنا، من المرجح أن تزداد حالات الإفلاس في أسواقنا”.