“حرب باردة جديدة”.. تصعيد روسي غربي ينذر بعواقب وخيمة

14 مايو 2022
“حرب باردة جديدة”.. تصعيد روسي غربي ينذر بعواقب وخيمة


كتبت “الحرة”: تهديدات متبادلة، عقوبات اقتصادية، تحالفات عسكرية، وتخوفات من تداعيات كبرى مستقبلية.. هكذا تتسارع التطورات على الساحة السياسية الدولية، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، في أجواء تكاد تطابق تلك التي عاشها العالم في “حقبة الحرب الباردة”، في ظل تصعيد روسي غربي يعد الأكبر منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.

وتشكل تلك التداعيات “واقعا جديدا خطيرا”، وتنذر  بـ”حرب باردة جديدة”، قد تكون أقل عالمية من نظيرتها في القرن العشرين، لكنها قد تكون “أكثر خطورة”، وفقا لمجلة “فورين أفيرز”.حرب باردة أم ساخنة؟
 
قال الخبير بمركز تريندز للبحوث والاستشارات في الإمارات، يسري العزباوى، إن مفهوم الحرب الباردة الجديدة يعبر بشكل كبير عما وصلت إليه حالة الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

وأضاف لموقع “الحرة” أن أوكرانيا تحظى بدعم غربي منقطع النظير ساعدها على صد العدوان الروسي، ومكنها من إفشال الخطط العسكرية الروسية، وتسبب في عدم قدرة موسكو على اجتياح كييف في أيام قليلة، كما كانت تتوقع في بداية الحرب.وأشار إلى أن أسباب الغزو الروسي لأوكرانيا لا تتعلق فقط بانضمام كييف إلى التحالفات والتجمعات الغربية، ولكنها تتعلق أيضا بالمجال الجيوسياسي والأمني والثقافي والعرقي والديني والمصلحي الذي تريد روسيا ترسيخ أقدامها فيه.واستطرد قائلا: “يوجد تكتل دولي كبير رافض للحرب ويقدم كل أنواع الدعم العسكري والمادي لأوكرانيا، وهناك دول أخرى، وإن كانت قليلة العدد، مؤيدة للحرب وتقف بجوار روسيا”.وتابع الخبير بمركز تريندز، قائلا: “نحن أمام حالة حرب باردة في طريقها إلى التصاعد، ولها أبعاد استراتيجية بعيدة المدى، وآثارها مباشرة على العالم أجمع وأوكرانيا خاصة”.

من جانبه قال الخبير العسكري والاستراتيجي، المقيم في واشنطن، إسماعيل السوداني، لموقع “الحرة”، إن مفهوم الحرب الباردة الجديدة يرتبط بتطور الصراع على النفوذ و تقسيمه بشكل يتلائم مع مصالح القوى الكبرى، ومنع أي طرف من الإخلال بالأمن القومي للطرف الآخر، عبر أدوات وأساليب سياسية وعسكرية واقتصادية وتكنولوجية.ويرى السوداني أن العالم مقبل على مرحلة خطيرة تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة وغالبية الدول الأوروبية، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، على حد قوله.وأوضح الخبير العسكري والاستراتيجي أن الغزو الروسي لأوكرانيا دفع الدول الأوروبية لمحاولة إبعاد الخطر الروسي عن حدودها الشرقية والشمالية والبحرية في البحر الأسود والمتوسط، وتسبب في شعور أكثر الدول الأوربية حيادا بالخطر لتطلب الانضمام إلى حلف الناتو في محاولة لحماية أمنها أمام أي تهديد في المستقبل.ورغم الظروف الاقتصادية “الحساسة” التي تمر بها أوروبا، بدأت غالبية الدول الأوربية بالفعل في زيادة إنفاقها العسكري، في ظل تخوفات من اندلاع نزاعات جديدة في مناطق أخرى من العالم، كما يقول السوداني.وفي مقابل ذلك، أشار إلى استغلال الصين وكوريا الشمالية انشغال الولايات المتحدة وحلفائها بالحرب الدائرة في أوكرانيا، للقيام ببعض التحركات التي من شانها تصعيد الأزمات وتحويلها إلى نزاعات تنبئ بظهور “الحرب الباردة الجديدة”.لكن مدير المركز الأوروبي للدراسات والاستخبارات في ألمانيا، جاسم محمد، اختلف مع الرأيين السابقين، معتبراً أن التصعيد الروسي الغربي “حرباً ساخنة أكثر من كونها باردة”.وقال لموقع “الحرة”: “يمكن وصف ما يجري الآن بحرب عالمية ثالثة اقتصادية”. أما فيما يتعلق بمجال التسلح والمواجهة على الأرض، قال: “الأمر يتمثل في استخدام الردع والردع المضاد التقليدي”.وتابع قائلاً: “مفهوم الحرب الباردة الجديدة لا ينطبق علي المواجهات  الساخنة الحادة بين روسيا والغرب. هناك مواجهات حادة اقتصاديا وعلى مستوي إمدادات الأسلحة التي يزود بها الغرب أوكرانيا”.تداعيات عسكرية وسياسية واقتصادية
 
ورغم ترسانتها النووية وثروتها الهائلة من الموارد الطبيعية، تشكل روسيا، تهديدا عسكريا واقتصادياً أقل خطورة على واشنطن وحلفائها، من الاتحاد السوفيتي السابق، حسبما تقول مجلة فورين أفيرز.وكشف الغزو الروسي “القصور العسكري الكبير لموسكو”، بعد فشل الهجوم على كييف، والخسائر العسكرية الروسية المتتالية.وبعد فرض الولايات المتحدة وحلفائها عقوبات على موسكو، تشير التوقعات الاقتصادية إلى انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة 10 إلى 15 في المئة خلال عام 2022، وفقاً لـ”فورين أفيرز”.لكن على جانب آخر، يعتقد الاقتصاديون أن أسعار الطاقة قد لا تتراجع بشكل كبير هذا العام وقد ترتفع وتيرتها بشكل أكبر.ورجحت “وول ستريت جورنال” استمرار ارتفاع معدلات التضخم لفترة أطول من التي كانت متوقعة عند بدء غزو روسيا لأوكرانيا، مما يؤثر على القدرة الشرائية للأسر ويتسبب في ارتفاع تكاليف الإنتاج.وتعليقاً على ذلك، يقول الخبير بمركز تريندز، يسري العزباوى، إن هناك تداعيات للتصعيد بين الجانبين وقعت بالفعل، وكان أبرزها تلك التي شملت الجانب الاقتصادي وتسببت في ارتفاع أسعار الطاقة والمحروقات والغذاء عالميا.وأشار إلى أن “التداعيات الاقتصادية للحرب الباردة، قد أدت إلى ارتفاع مستويات التضخم العالمي بشكل قياسي، رغم المحاولات الدولية السابقة للخروج من تداعيات جائحة كورونا”.أما عن التداعيات السياسية، فقال الخبير بتريندز، إن العالم يشهد حالة انقسام غير مسبوقة منذ الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، مستشهداً بالتهديد والتلويح المستمرة باستخدام الأسلحة النووية والكيمياوية والبيولوجية في الحرب. وتابع قائلاً: “العالم يشهد سباق تسلح غير مسبوق، خاصة على الجانب الأوروبي، بالإضافة إلى إعادة التوسع في إعادة إنتاج الأسلحة النووية”.واتفق مع الرأي السابق، الخبير العسكري والاستراتيجي، إسماعيل السوداني، قائلاً:” تداعيات الحرب الباردة الجديدة تشمل عودة انقسام العالم إلى معسكرين غربي وشرقي، وهو ما يؤثر على التعاملات التجارية والاقتصادية بين دول العالم”.التصعيد الغربي الروسي.. إلى أين؟
 
تقول المجلة الأميركية إن “الحرب الباردة الجديدة” قد تكون أكثر خطورة من السابقة، بسبب الاحتمال المتزايد بأن تلجأ روسيا إلى “حرب إلكترونية مدمرة”.وحذرت “فورين أفيرز” من استخدام بوتين لسلاحه “الأكثر تدميرا”، لشل الولايات المتحدة وأوروبا سياسيا، من خلال استهداف الانتخابات القادمة بموجات من الأخبار المضللة.ويعتقد القادة الأميركيون والأوروبيون أن بإمكانهم منع خروج الصراع عن نطاق السيطرة، بتحقيق “نوع من التوازن مع روسيا”.وتواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها فرض عقوبات على روسيا، وإرسال أسلحة إلى كييف، وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الجيش الأوكراني، وتشجيع حلف شمال الأطلسي على التوسع.لكن الغرب يرفض في الوقت ذاته إرسال قوات الناتو إلى الأراضي الأوكرانية، أو فرض منطقة حظر طيران في مجال أوكرانيا الجوي.واقتصاديا، تستطيع روسيا قطع إمدادات الغاز عن المزيد من الدول الأوروبية وتقييد صادرات السلع الأساسية، حسب “فورين أفيرز”.وتعد روسيا ثالث أكبر منتج للوقود الأحفوري في العالم، وتمتلك ثاني أكبر احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي، وثالث أكبر احتياطي للفحم في العالم.وبالنسبة للنفط، فهي تمتلك البلاد 6.4٪ من الاحتياطيات العالمية، وفقاً لـ”منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”.ويمكن أن يتسبب ذلك التصعيد الروسي، في خلق أزمة اقتصادية متنامية، تعرض قادة الناتو لضغوط شعبية هائلة تطالب بالرد على” الاستفزازات الروسية”.. فكيف ومتى يمكن أن تنتهي الأزمة بين الجانبين؟تعليقاً على ذلك قال مدير المركز الأوروبي للدراسات والاستخبارات في ألمانيا، جاسم محمد: “لا يستطيع أحد التكهن بنتائج الحرب، هناك مفاوضات بين الطرفين وهناك مواجهات عسكرية والتقديرات تقول إنها حرب استنزاف طويلة”.وأكد أن “طول أمد الحرب سوف يستنزف اقتصاديات دول أوروبا، ويستنزف القدرات العسكرية الروسية والأوروبية”، متوقعاً استمرار الحرب لعدة أشهر مقبلة وربما سنوات.واتفق السوداني مع الرأي السابق، قائلا: “مع امتلاك الطرفين تكنولوجيا حديثة، لن يكون هناك طرف متفوق على الآخر عسكريا”.وأضاف: “سنشهد الكثير من الأزمات السياسية و الاقتصادية حتى يتم الوصول إلى تفاهمات مشتركة بين الجانبين”.وتوقع الخبير العسكري انتهاء مرحلة العولمة، وعودة سباق التسلح العالمي، وازدياد الهجمات السيبرانية بين الأقطاب العالمية، وحدوث صراعات أو احتكاكات مباشرة أو غير مباشرة بين المعسكرين الشرقي والغربي، مما يتسبب في ضعف اقتصاديات الدول وخصوصا النامية منها.من جانبه توقع العزباوى استمرار الحرب في أوكرانيا لفترة طويلة نسبياً، قائلاً: “هذه الحرب لن تتوقف على المدى القصير، وربما تستمر لفترة طويلة إذا لم ينجح بوتين في الوصول إلى تفاهمات داخلية وخارجية”، مشيراً إلى إمكانية ضم موسكو بعض الأراضي الأوكرانية “لحفظ ماء الوجه”.وتابع قائلاً: “نحن أمام عدة سيناريوهات لهذه الحرب، فقد تكون طويلة الأمد تستنزف روسيا لكنها ستؤدي إلى دمار كامل في أوكرانيا”.واستطرد “هناك سيناريو آخر يتعلق بحرب قصيرة الأمد، تنتهي بمفاوضات دبلوماسية تضمن عدم دخول أوكرانيا حلف الناتو”، معتبراً أن ذلك هو الأمر الذي تصبوا إليه روسيا. وشدد على أن الدعم الغربي ساعد أوكرانيا على التصدى للجيش الروسي، مستدركاً “لكن كييف لن تستطيع أن تصمدطويلاً أمام موسكو، دون وجود قوات غربية على الأراضي الأوكرانية”. وأشار الخبير بمركز تريندز، إلى أن تدخل قوات غربية في الحرب الأوكرانية، قد يتسبب في اشتعال حرب عالمية ثالثة، قد تكون قائمة الآن بالفعل”.وحذر من تداعيات مستقبلية للجوء الجانبين إلى ظاهرة “الوكلاء” أو المتطوعين، معتبراً أن ذلك ينذر بظهور موجة جديدة من الإرهاب حول العالم، بعد انتهاء الحرب.