يبدو أن عام 2022 لن يمر مرور الكرام، فمع بداية العام شهدنا توتر العلاقات بين روسيا وأوكرانيا، الأمر الذي أسفر عنه حرب مع نهاية شهر فبراير شباط الماضي.مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الغذاء العالمي، لأن روسيا وأوكرانيا تُشكلان حوالي 30% من القمح المتداول في العالم، بالإضافة إلى محاصيل زراعية أخرى.
لتأتي الهند وتحاول حل مشكلة القمح والذي يُعتبر أهم سلعة زراعية عالمية، إلا أن التغيرات المناخية حالات دون ذلك، لتعلن الهند وقف صادرات القمح الأسبوع الماضي.ثم يأتي وباء جديد وهو جدري القرود، والذي ينتشر الآن لأول مرة في عدة دول منها هولندا وسويسرا وبريطانيا وأميركا، وحتى منطقة الشرق الأوسط أيضًا وصل إليها الوباء، حيث أعلنت إسرائيل عن أول حالة إصابة بالفيروس.ليصبح الآن العالم على بوابة صراع جديد مع فيروس قد يتحول في أي لحظة إلى وباء عالمي، خاصًة مع تأكيد منظمة الصحة أمس الجمعة على إصابة 50 حالة بالمرض في 11 دولة، وأنه جاري التحقق من 80 حالة أخرى.
وتقوم النرويج حاليًا بالبحث عن حالات إصابة محتملة بمرض جدري القرود في العاصمة أوسلو.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، مرض جدري القرود يُنقل إلى البشر من طائفة متنوعة من الحيوانات البرية، ولكن انتشاره على المستوى الثانوي محدود من خلال انتقاله من إنسان إلى آخر، كما أنه مرض نادر ويحدث أساسًا في المناطق النائية من وسط أفريقيا وغربها، وقد تم تسجيل أول حالة بشرية في عام 1970.وحتى الآن، لا يوجد أيّ علاج أو لقاح متاح لمكافحة المرض رغم أنّ التطعيم السابق ضدّ الجدري أثبت نجاعة عالية في الوقاية أيضاً من جدري القردة. لماذا الدول الفقيرة ستدفع الثمن؟لازالت تُعاني عدد من الدول الفقرة من تداعيات فيروس كورونا في عام 2020، وما تسبب من إرهاق القطاع الصحي في هذه البلاد، لكن وقتها لم ترتفع أسعار الغذاء بالقوة التي شهدنها منذ بداية عام 2022، الأمر الذي ساعد الدول نوعًا ما في توجيه جهودها نحو القطاع الصحي خلال عامي 2020 وبدايات 2021.
لكن في عام 2022، الوضع يبدو مُختلف تمامًا، لأن الآن أغلب الدول الفقرة تُعاني من ارتفاع أسعار الغذاء عالميًا بالإضافة إلى المشاكل المالية الموجودة مُسبقًا، لذلك سيصعب على الدول الفقيرة أن تقوم بتوجيه جهودها نحو استيراد الغذاء والقطاع الصحي في وقت واحد.لذلك لا نستبعد ظهور احتجاجات في بعض الدول الفقيرة، مثلما حدث في الأيام القليلة الماضية في دولة سريلانكا.وعلى النقيض، ستكون مُعاناة الدول الكبرى أو الغنية أقل، نظرًا لقدرتها المالية بالإضافة إلى إمكانات النظم الصحية بها وما تتمتع به من تكنولوجيا قد تُيسر عليها الحد من انتشار فيروس جدري القرود، وذلك رغم المُعاناة الحالية التي تُعاني منها هذه الدول بسبب ارتفاع التضخم نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز والتي تسببت في وصول التضخم لأعلى مستوياته منذ عقود في أميركا وبريطانيا وأوروبا.وحتى إذا كان العالم محظوظ ونجح في إيجاد لقاح سريع لجدري القرود، سيكون الواقع محسوم وستوزع اللقاحات في الدول الكبرى أولًا ثم الدول الأخرى مثلما حدث في لقاح كورونا.
وما سيزيد صعوبة الأمر التغيرات المناخية، والتي قد تضرب عدد من المناطق حول العالم مثلما حدث في صيف 2021 حيث حطمت الظروف الجوية القاسية أرقامًا قياسية في مختلف أنحاء العالم، ولقي المئات حتفهم في عواصف وموجات حر.ورغم أننا لم ننتهي من شهر مايو أيار حتى الآن، إلا أن الظواهر المناخية بدأت تظهر مُجددًا وكان أبرزها في غرب ألمانيا بسبب رياح شديدة، وفي كولومبيا والتي شهدت فيضانات مرعبة خلال الساعات القليلة الماضية، كما شهد إسبانيا اليوم السبت موجة حارة حيث تجاوزت درجة الحرارة 40 درجة مئوية في بعض المناطق.الأمر الذي من شأنه أن يضر بالمحاصيل الزراعية ويزيد الطين بله أيضًا على الدول الفقيرة. ما الحل؟لا يبدو هناك حلول جذرية تحدث بين عشية وضحاها، لكن من وجهة نظرنا أن الحل يكمن في احترام الإنسان للطبيعة، وأن يلتزم العالم بإجراءات مثل الخفض الهائل لاستخدام الوقود الأحفوري وزراعة الغابات، والتي قد تساهم ولو بشكل بسيط في إحتواء ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية فوق درجات حرارة ما قبل الثورة الصناعية، وحذر تقرير للأمم المتحدة خلال شهر نيسان الماضي على ضرورة الخفض الهائل للانبعاثات.
التغيرات المناخية تتسبب في اختلال توازن الطبيعة، والذي يساهم بدوره في انتشار الأمراض والفيروسات.والأهم منذ ذلك أن لا يحلل الإنسان ما حرمه الله، حيث قالت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والعدوى ووكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة إنهم يحققون في مجموعة من حالات الإصابة بفيروس جدري القرود، بما في ذلك بين الأفراد الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم مثليين على وجه الخصوص.