مع زيادة الضغط الأوروبي والأميركي على ألمانيا للاستغناء في أسرع وقت عن موارد الطاقة الروسية، تدرس برلين العودة للاعتماد على الفحم، وإلغاء خطط الاستغناء عنه الذي كان مقررًا بحلول عام 2030، والوصول إلى صفر انبعاثات بحلول 2045.ووفق خبراء، فإن الضغوط السياسية والاقتصادية التي تتوالى على برلين، دفعت حتى أشد الأحزاب اهتمامًا بالبيئة، مثل حزب الخضر، للتراجع شيئًا فشيئًا عن مبادئه الرافضة لاستخدام الفحم الحجري.وتجري الآن دراسة إعادة تشغيل محطات الفحم المعطلة لتوليد الكهرباء، في حال قطع شحنات الغاز الروسي أو اتخاذ قرار الاستغناء عنها.كان من المفترض أن تكون محطات الكهرباء العاملة بالفحم معطلة هذا العام والعام المقبل، في إطار خطة البلاد للتخلص التدريجي من الفحم بحلول عام 2030.
وأعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، أن بلاده تعمل على الاستغناء عن النفط الروسي هذا العام، وفيما يخص الغاز، سيستغرق خفض حصة واردات الغاز الطبيعي الروسي إلى 24 في المائة حتى صيف 2024، قائلًا إن “ألمانيا تعمل بنشاط لتحرير نفسها من الغاز الروسي”.والأسبوع الماضي، قام المستشار الألماني بجولة في إفريقيا، شملت السنغال حيث تبدي برلين اهتمامًا بالاتفاق على نيل حصة من إنتاج حقل غاز كبير يتم استكشافه حاليًّا في البلد الإفريقي.ويمثل النفط الروسي الآن 25 في المئة من الواردات الألمانية، بانخفاض عن 35 في المائة قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وانخفضت واردات الغاز إلى 40 في المئة من 55 في المئة، وانخفضت واردات الفحم الصلب الروسية إلى 25 بالمئة من 50 بالمئة.ووفق الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي، عبد الرحمن أياس، فإن ألمانيا، صاحبة الاقتصاد الأكبر في أوروبا ورابع أو خامس أكبر اقتصاد في العالم حددت قبل حرب أوكرانيا، عام 2045 للوصول إلى الصفر الصافي على صعيد الانبعاثات الكربونية، لكن اضطرارها لوقف إجازة العمل بخط الأنابيب “نورد ستريم 2” الذي ينقل إليها الغاز الروسي، ولتطبيق خطة أوروبية لتخليص القارة من الاعتماد على النفط الروسي خلال أشهر، يجعل التحول للطاقة النظيفة على مراحل مسألة صعبة المنال.
ويرجع أياس ذلك إلى عدم توفر بدائل فورية لاستيراد النفط والغاز بعيدًا عن روسيا، لافتًا إلى أن المصرف المركزي الألماني لم يستبعد أن يسجل الانكماش اثنين في الماة هذا العام، على أن يعاود الاقتصاد للنمو عامي 2023 و2024، لكن بنسب تقل عما كان متوقعًا بعد رفع القيود التي فُرِضت بسبب وباء “كورونا”.الخبير المقيم في برلين، زاهي علاوي، ينبه كذلك، فيما يخص مسألة البدائل، إلى أن “المخزون الاحتياطي من الغاز في ألمانيا لا يكفي لفترة طويلة، ومن هنا أتت الحاجة للمطالبة بترشيد استهلاك الطاقة لعله يساعد في زيادة المخزون، كما أن تحسن الطقس نحو الدفء سيخفف استهلاك الطاقة، لكن هذا لن يغني عن البدائل. ومن هنا جاءت، حسب علاوي، دراسة العودة للاعتماد على الفحم، رغم ضرره للبيئة، وحتى حزب الخضر يفكر في التخلي عن مبادئ عدم استخدام الفحم الحجري.وتمتلك ألمانيا نحو 6 غيغاواط من المرافق التي تعدّ حاليًّا جزءًا من الاحتياطيات الوطنية، وهي 4.3 غيغاواط من محطات الفحم، و1.6 غيغاواط من منشآت النفط، وكان من المفترض أن يُغلق العديد منها في إطار خطة التخلص التدريجي من الفحم.