لم يكن ينقص المواطن اللبناني إلا عودة أزمة القمح إلى الواجهة، فبعدما ارتفع سعر ربطة الخبز وخفّ وزنها، باتت اليوم مهددة بأن تُفقد من الأفران بسبب سياسة “الترقيع” التي تمارسها الدولة بين فترة وأخرى، من دون إيجاد أي حل جذري. أزمة قديمة متجددة يقف وراءها المصرف المركزي بسبب عدم فتح الاعتمادات لبواخر القمح مقابل عدم وجود أي مخزون احتياطي لهذه المادة، الأمر الذي يؤدي إلى فقدانها من السوق وظهور أزمة الرغيف.
حدة الأزمة اليوم تطال منطقة البقاع، حيث أن المطحنة التي تتعامل معها الأفران تعاني من شح القمح الأمر الذي يهدد بأزمة قريبة جداً. ورفع أصحاب الأفران الصوت عالياً من خلال اعتصام تحذيري أمام مطحنة البقاع، مع انتهاء مخزون القمح والطحين فيها. وأشار نقيب أصحاب الأفران في البقاع عباس حيدر الى أن “مطحنة البقاع تغذي 80% من أفران المنطقة، واعتصامنا هو للتضامن مع المطحنة ومع المواطن كي نؤمن له حاجاته”. وناشد الرؤساء الثلاثة والمعنيين حل هذه الأزمة بالسرعة الممكنة، ووزير الاقتصاد تنفيذ الخطة البديلة التي طالما تحدث عنها، قبل أن تستفحل الأزمة في الشارع، قائلاً: “البلد خال كلياً من القمح ومشتقاته، وأكبر المطاحن في بيروت يكفيها مخزونها من القمح 5 أيام على الأكثر، فما الحل؟”.
وطالب حيدر خلال الاعتصام بـ “ضرورة إنشاء خلية أزمة لإيجاد القمح أو الطحين”، محمّلاً الدولة مسؤولية تأمين الطحين، “فنحن مسؤولون عن تأمين الرغيف فقط”. كما حذر أمين سر نقابة أصحاب الأفران ناصر سرور من خطوات تصعيدية في الساعات المقبلة.
وقال عضو نقابة أصحاب الأفران أحمد عبد الرحمن لـ “لبنان الكبير”: “قمنا اليوم بوقفة احتجاجية لرفع الصوت أمام الكارثة التي تنتظرنا، وخرجنا ببيان حول ضرورة إيجاد حل سريع خاصة لمنطقتنا قبل فوات الأوان، فمطحنة البقاع تغطي ٢٩ فرناً في المنطقة، ما يعادل ٨٠٪ من حاجات أفران البقاع، وفي كل فترة تعاني نقصاً كبيراً في القمح ما يسبب أزمة طحين في الأفران تؤدي إلى أزمة رغيف. في المقابل، الدولة اليوم عاجزة عن استيراد القمح من الخارج، وأصحاب المطاحن لم تعد لديهم القدرة على الاستيراد لا من أوكرانيا، ولا الأرجنتين ولا حتى روسيا، بسبب أزمة القمح وانخفاض مخزونه في العالم بعد الحرب في أوكرانيا والتي تشكل ٦٠٪ من احتياط القمح عالمياً، وبالتالي روسيا تمنعها من التصدير”.
وأوضح أن “المطاحن تعاني اليوم من شح في القمح بسبب تأخر مصرف لبنان في فتح اعتمادات لأربع بواخر من أصل ثماني، وذلك لأن مبلغ الـ ٢١ مليون دولار الذي أقرّه مجلس الوزراء لا يغطي إلا أربع بواخر، وبالتالي الكميات التي تأمنت وزعت على حوالي ٤ مطاحن كبيرة على صعيد لبنان، لن تستطيع تلبية القدرة الإنتاجية وحاجة الأفران على مساحة الوطن، ومنطقة البقاع مثال على ذلك”.
وشدد عبد الرحمن على وجوب “أن يكون لدينا احتياط استراتيجي من القمح لمدة ٦ أشهر، وفي هذه الفترة نستخدم من المخزون لدى المطاحن، عندها في حال تأخر الباخرة المحملة بالقمح شهراً أو شهرين، نستطيع تفادي أي أزمة في هذا القطاع. وفي المقابل، التقاعس وعدم تطبيق هذه الآلية يزيد من حدة الكارثة بشكل كبير وسريع، وفي حال عدم وجود أي حل بديل، وعدم تأمين القمح لمطاحن البقاع حتى تستطيع تسليم الطحين الى الأفران فسنشهد أزمة صعبة وقريبة جداً في البقاع. ونحن في النقابة لسنا من هواة الاضراب ولا نرضى بإعادة طوابير الخبز وإذلال الناس أمام الأفران”.