لطالما شكّل قطاع النقل في لبنان نقطة ضعف جسيمة بسبب الإهمال وعدم التخطيط الجيد لتطويره وإدارته على الرغم من الحاجة الملحةّ إليه في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية ولا سيما مع رفع الدعم عن المحروقات التي نتج عنها ارتفاعاً هائلاً في كلفة الانتقال بات يفوق الحد الأدنى للأجور.
تحديات هذا القطاع وعواقبه وسبل تحسينه، كانت محط نقاش خلال “ورشة عمل” نظمها البنك الدولي أمس حول تحسين النقل العام المستجيب للنوع الاجتماعي للجميع في الأردن ولبنان والعراق، وذلك بهدف تسليط الضوء على التحديات الرئيسية المتعلقة به والفرص الناشئة لتعزيز أنظمته في هذه البلدان بناءً على الخبرة الدولية والدروس المستفادة، والتركيز على النوع الاجتماعي في النقل العام، وإطلاق تقرير تشخيص وتوصيات عامة.
وقد شارك فيها كلاً من وزير الاشغال العامة والنقل اللبناني، وكيل وزارة النقل العراقية، وعدد من ممثلي القطاعين العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني وأكاديميون.
قطاع النقل بالأرقام
التقرير الذي حمل عنوان “النقل العام في لبنان”، والذي حصل موقع “لبنان الكبير” على نسخة منه، أظهرت أرقامه هيمنة النقل البري والسيارات الخاصة إلى حدّ كبير على التنقل في لبنان، في حين أن النقل العام لا يزال استخدامه غير رسمي. وفي حين يبلغ أسطول النقل العام الرسمي الذي يتوزع بين سيارات الأجرة والفانات والحافلات نحو 39.200 وسيلة، يُسجل أسطول النقل غير الرسمي 31.000 وسيلة.
أما لناحية التغطية الجغرافية لوسائل النقل العام، فقد أظهر التقرير عدم تساويها بحيث أن 75 في المئة من سيارات الأجرة و85 في المئة من الحافلات تعمل في منطقة بيروت الكبرى فقط.
من جهة أخرى، لفت تقرير البنك الدولي إلى أن 47 في المئة من النساء يفتقرن إلى وسائل النقل، الأمر الذي يُشكل عائقاً أمام الوصول إلى سوق العمل.
في المقابل، ارتفع الرقم القياسي لأسعار المستهلك للنقل CPI بنسبة 860 في المئة ما بين تشرين الثاني 2020 وشباط 2022.
تحديات وعواقب رئيسية
وعن التحديات التي يواجهها قطاع النقل في لبنان، فقد اختصرها البنك الدول في مجموعة نقاط رئيسية تتمثل في ضعف الإعداد المؤسسي، عدم كفاءة الأنظمة، وجود مشغلين مجزئين بطابع غير رسمي، غياب التخطيط من دون رؤية أو استراتيجية.
هذا فضلاً عن أن شبكة المواصلات العامة هي شبكة غير منظمة وتحتوي على خطوط غير رسمية ومواقف عشوائية. كما أنه لا توجد معلومات للمستخدمين عن خطوط النقل العام ومواعيد الرحلات وأجور الركوب وأوقات الوصول ومواقع المواقف، إلى جانب ضعف البنية التحتية والمرافق، وضعف السلامة والشمولية بحيث لا توجد اعتبارات تتعلق بالنوع الاجتماعي أو الإعاقة.
وأخيراً، قِدم أسطول النقل وسوء صيانته وما يسببه من تلوث وانعدام استخدام للتكنولوجيا كأنظمة النقل الذكية، تكامل أجرة الركوب، وإدارة حركة المرور…
ولناحية العواقب الناتجة عن معضلة هذا القطاع على الاقتصاد، اعتبر التقرير أن عدم كفاءة النقل تؤثر سلباً في الأداء الاقتصادي للبنان.
كما أن كلفة الحوادث تبلغ حوالي 865 مليون دولار سنوياً، في حين تبلغ كلفة الازدحام 632 مليون دولار وكلفة تغيّر المناخ ما بين الـ432 والـ150 مليون دولار. أما عن كلفة التلوّث فتصل إلى 200 مليون دولار سنوياً (تجاوز مجموع خسائر قطاع النقل الملياري دولار سنويا).
وأشار التقرير إلى أن إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية عن طريق النقل العام محدودة للغاية، وهي ليست شاملة للجميع إذ يُستبعد الأشخاص ذوو الإعاقة من إمكانية الوصول إليها بسبب عدم وجود ميزات تُمكّن من ذلك في وسائل النقل العام والبنية التحتية.
كما أوضح أن الرحلات أصبحت مكلفة وخاصة للفقراء، فالموظفون الذين يتقاضون الحد الأدنى للأجور (2.000.000 ليرة لبنانية) ويتنقلون إلى العمل يومياً بالحافلة ينفقون حوالي 20 في المئة من رواتبهم مقابل هذا الانتقال.
إلى ذلك، يتم فقدان 70 في المئة من أوقات السفر في منطقة بيروت الكبرى على التأخير بسبب الازدحام، في الوقت الذي يُعدّ فيه معدل ركوب وسائل النقل العام (الإشغال) فيها منخفض (25 في المئة لسيارات الأجرة، 34 في المئة للميني-فان وحوالي 50 في المئة للحافلات).
ووفقاً للتقرير، يُهيمن الذكور على قطاع النقل من حيث مشاركة القوى العاملة، حيث تبلغ مشاركة المرأة فيه 3.2 في المئة فقط.
كذلك، زادت انبعاثات النقل بنسبة 80 في المئة ما بين عامي 2008 و2018 إذ شكلت سيارات الركاب أكثر من 50 في المئة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة في لبنان محتلة المركز الثاني خلف قطاع الطاقة الذي حصد نسبة 59 في المئة.
توصيات البنك واقتراحات الوزير
أوصى التقرير بضرورة توحيد الحافلات وإنشاء صندوق لإعادة شراء تراخيص النقل العام، وتنفيذ أنظمة النقل الذكية بما في ذلك بروتوكول التذاكر المفتوحة وإدارة الأسطول والمعلومات للمستخدم، ووضع خطة وطنية للسلامة العامة.
هذا فضلاً عن اعتماد الحلول السريعة التنفيذ من أجل تحسين تجربة المستخدم كمواعيد الحافلات وتطبيقات تخطيط الرحلة والخرائط والمعلومات في الوقت الحقيقي، واعتماد نماذج النقل مع البيانات الحديثة للسماح بالتخطيط للنقل العام، والتفاوض مع المالكين الأفراد لتوحيد صغار المشغلين وإنشاء شركات جديدة وإلغاء المركبات القديمة، مع الأخذ بعين الاعتبار وضع استراتيجية وخطة السلامة على الطرق.
كما أوصى بوضع خطط للمشاة وركوب الدراجات الهوائية، والتجديد العمراني، وتكامل التعرفة والعمليات، إضافة إلى برنامج إدارة الطلب على حركة المرور، بما في ذلك إدارة المواقف والتنفيذ وتقييد استخدام السيارات وفرض رسوم الازدحام.
من جهته، وصف وزير الأشغال والنقل علي حمية في مداخلته، عبر تقنية الاتصال المرئي، وضع النقل في لبنان بالمأساوي بسبب عدم اهتمام الحكومات بهذا القطاع على كامل الأراضي اللبنانية، فضلاً عن الأسباب المجتمعية والمتمثلة في الاعتماد على السيارات الخصوصية في فترات كانت فيها أسعار الوقود مقبولة.
أما الآن ومنذ العام 2019، فقد أصبحت الأسعار أعلى بكثير من الحد الأدنى للأجور بعشرات المرات مما جعل أزمة النقل في لبنان بمثابة أزمات الغذاء والمصارف، بحيث أثّرت أيضاً في الوصول إلى أمكنة العمل وإنجاز المعاملات.
وحسب حمية، فإن عدد الباصات في لبنان يبلغ 95 باصاً فقط منها 50 باصاً منحة فرنسية و45 باصاً تم إصلاحها بعد انفجار مرفأ بيروت، كما أن تشغيل هذه الحافلات يتم بالعمل مع القطاع الخاص.
ومن الحلول التي طرحها حمية للخروج من هذه الأزمة، العمل مع البند الدولي لتقديم المساعدة للقطاع، مشيراً إلى أنه تم الأسبوع الماضي تقديم إطار قانوني للعلاقة بين القطاعين العام والخاص في قطاع النقل بحيث تكون الدولة هي المنظم والقطاع الخاص هو المشغل.
كما أن الحكومة اللبنانية تعمل على مشروع قانون سيُقدم إلى مجلس النواب يسمح لمصلحة السكك الحديدية والنقل المشترك بالتعاقد مع القطاع الخاص للعمل لمصلحتها، إضافة إلى إعداد استراتيجية للمرافئ اللبنانية بالتعاون مع البنك الدولي، وخطة نقل عام على كامل الأراضي اللبنانية.